قرار ‘الطاقة الذرية’ يعقّد جهود التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن… لكنه لا يُلغيه تمامًا.

بعد أيام من التكهنات بشأن احتمال إصدار قرار ضد إيران من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصاعد نبرة التصريحات بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين والأوروبيين، أقرّ مجلس محافظي الوكالة، المؤلّف من 35 دولة، الخميس، قراراً يُدين إيران رسمياً للمرة الأولى منذ نحو عشرين عاماً، باعتبارها منتهكة لالتزاماتها في مجال منع انتشار الأسلحة النووية.
ووفقاً لمصادر غير رسمية، فإن القرار يتهم إيران بأنها، منذ عام 2019، أخفقت مراراً في التعاون الكامل وفي الوقت المناسب مع الوكالة، لا سيما بشأن المواد والأنشطة النووية غير المعلنة في مواقع عدة داخل البلاد، وهو ما يُعد خرقاً لاتفاق الضمانات الموقع بين إيران والوكالة.
الشرطة الإيرانية (أ ف ب)
صوّتت 19 دولة من أصل 35 لصالح القرار، هي: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، الأرجنتين، أوستراليا، بلجيكا، الإكوادور، أوكرانيا، كندا، جورجيا، اليابان، كوريا الجنوبية، المغرب، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، وكولومبيا.
في المقابل، عارضته ثلاث دول فقط: روسيا، الصين، وبوركينا فاسو.
وامتنعت 11 دولة عن التصويت، وهي: جنوب أفريقيا، الهند، باكستان، مصر، إندونيسيا، البرازيل، غانا، تايلاند، الجزائر، أرمينيا، وبنغلاديش، في حين لم تحظَ دولتان، هما باراغواي وفنزويلا، بحق التصويت.
رداً على القرار، أعلنت إيران، كما كانت قد لوّحت سابقاً، أنها ستبدأ فوراً بإنشاء منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم في موقع محصّن، لتصبح بذلك تمتلك ثلاث منشآت تخصيب للمرة الأولى منذ عقدين. وتملك إيران حالياً مصنعين للتخصيب: الأول في “فوردو” بمحافظة قم، والثاني في “نطنز” بمحافظة أصفهان.
كما أعلنت عزمها استبدال أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول في “فوردو” بأخرى من الجيل السادس، ما سيؤدي إلى زيادة قدرة التخصيب بنسبة 20%، ورفع إنتاجية الموقع إلى عشرة أضعاف. تمثل هذه الخطوة تصعيداً في البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يشكّل النقطة الأكثر خلافاً في المحادثات النووية مع الولايات المتحدة.
تُصرّ واشنطن على ضرورة وقف إيران لتخصيب اليورانيوم، في حين تؤكد طهران أن التخصيب حق سيادي غير قابل للتفاوض. في الوقت ذاته، تهدّد إسرائيل بشن هجوم عسكري على منشآت التخصيب إذا استمرت إيران في هذا المسار، مدّعية أن التخصيب بنسبة تفوق 60% يهدف إلى إنتاج قنبلة نووية.
وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت مصادر غربية قريبة من الوكالة الدولية أن إيران باتت تملك أكثر من 400 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق 60%، وهي كمية كافية لإنتاج وقود لعشر قنابل نووية.
في خضم هذه التوترات، حذّر مسؤولون عسكريون إيرانيون من أن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية سيُقابل برد “غير مسبوق”. كما أعلنت أجهزة الاستخبارات الإيرانية الأسبوع الماضي حصولها على وثائق سرية من داخل إسرائيل، قالت إنها ستُستخدم لتحديد أهداف استراتيجية في حال اندلاع مواجهة.
وخلال العام الماضي، نفّذت طهران هجومين صاروخيين واسعين على إسرائيل، في حين اقتصرت الردود الإسرائيلية على غارات محدودة استهدفت أنظمة دفاع جوي داخل إيران. لكن مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وإعلانه استعداده للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، تراجعت حدة التوتر العسكري بين الجانبين موقتاً.
والأربعاء، صرّح ترامب بأن فرص التوصل إلى اتفاق مع إيران أقل مما كانت عليه سابقاً، مشيراً إلى أنه سيسحب القوات الأميركية غير الضرورية من الشرق الأوسط. وكرر الخميس أنه لن يسمح لإيران بالحصول على قنبلة نووية، مطالباً إياها بأن تكون أكثر مرونة في التفاوض، ومؤكداً أنه يودّ بشدة تجنّب صراع معها. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مصادر في واشنطن أن المفاوضات مع إيران قد لا تستمر.
وأثارت هذه التصريحات مخاوف من تصعيد عسكري محتمل، وانعكست حتى على الأسواق المالية. غير أن بدر البوسعيدي، وزير خارجية عُمان الوسيط في المحادثات بين طهران وواشنطن، أعلن لاحقاً أن الجولة السادسة من المفاوضات ستُعقد الأحد المقبل في مسقط.
وتزداد حساسية هذه الجولة من المفاوضات في ظل التهديدات المتكررة من ترامب، الذي أكد مراراً أن الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد، أو وصول المحادثات إلى طريق مسدود، سيجعل الهجوم العسكري “أمراً لا مفر منه”.
وعلى الرغم من أن بعض المحللين يرون في هذه التهديدات وسيلة للضغط وتحقيق مكاسب تفاوضية، إلا أن الجهات العسكرية في البلدين تأخذ هذه التهديدات بجدية.
وفي هذا السياق، حذّر وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده من أن فشل المحادثات واندلاع حرب “مفترضة” سيُكلف الطرف الأميركي خسائر فادحة.
كما هدّد قائد الحرس الثوري الإيراني بأن أي هجوم ضد إيران سيُقابل برد فوري، مشيراً إلى أن الهجوم الإسرائيلي المنفرد “سيُقابل باستهداف مباشر للأراضي المحتلة”، بينما سيشمل الرد الإيراني القواعد الأميركية في الشرق الأوسط إذا شاركت واشنطن في الهجوم.
ورغم تصاعد التوترات، لا تزال هناك آمال بإمكانية التوصل إلى اتفاق محدود بشأن تخصيب اليورانيوم، وإن كان الوقت المتبقي يضيق بسرعة. وقد تكون الجولة المقبلة من المفاوضات، المقررة في 15 حزيران/يونيو، بمثابة الفرصة الأخيرة للطرفين.
من جهة أخرى، أعلنت الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) أنها ستلجأ إلى تفعيل “آلية الزناد” عبر مجلس الأمن الدولي في حال فشل التوصل إلى اتفاق، ما سيؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل اتفاق 2015. وردّت إيران بأنها، في هذه الحالة، ستنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
في كل الأحوال، يبدو أن الأيام القليلة المقبلة، والمواقف التي ستتخذها الدول المعنية بالملف النووي الإيراني، ستكون حاسمة في تحديد مصير المفاوضات وخيارات التصعيد أو الانفراج.