قبل أن تتحول العزلة إلى عقوبة للبنان!

قبل أن تتحول العزلة إلى عقوبة للبنان!

شهد لبنان في الأسبوعين الأخيرين ما يمكن وصفه بالجدل الأخطر حيال وجود قوة الأمم المتحدة الموقتة العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” ودورها ومستقبلها منذ انتدابها الأول عقب الاجتياح الإسرائيلي للجنوب عام 1978، الأمر الذي يختلف اختلافاً كبيراً عن موجات هذا الجدل المتجدد سنوياً عشية كل تجديد للقوة الأممية.

 

وبصرف النظر عن القرار الذي سيتخذه مجلس الأمن الدولي في آب / أغسطس المقبل، موعد التجديد لهذه القوة وما إذا كان انتدابها وتفويضها سيتعرضان لتغيير محتمل بضغط أميركي تقليدي أو محدث، فإن المناخ اللبناني العام الذي عكسه تصاعد الجدل الداخلي السياسي والإعلامي حول دور “اليونيفيل” بدا بمثابة الوجه الآخر للمناخ المتصل بسلاح “حزب الله”، في ظل معرفة الجميع بأن ما تتعرض له في البلدات والقرى الحدودية الجنوبية من اعتداءات يومية يقف الحزب وراء هندسته  عبر تحريض أهالي المنطقة على قواتها.

مفاد الموجة الأخيرة من الصدامات والاعتداءات والجدل الذي شغلته “اليونيفيل” في الواقع اللبناني الراهن، يشكل في الحقيقة عامل ارتكاز إضافياً إلى كون لبنان لم يتأهل إطلاقاً بعد لإدارة تركة أزماته ولا سيما منها التركة الحاضرة النافذة بقوة تصاعدية، المتعلقة بنصف حرب إسرائيلية متواصلة في لبنان وتحفز “حزب إلهي” متواصل لعدم رفع الراية البيضاء في تسليم سلاحه، بما يعني أن لبنان مستمر في واقع مشلع ولم يعبر بعد إلى الضفة الأخرى من مقلب الكارثة الحربية الأخيرة التي كان يفترض أن يكون تاريخ 27 تشرين الثاني / نوفمبر موعداً حاسماً لنهايتها.

 

صحيح أن “حزب الله” ارتكب كعادته خطأ التسبب بانكشاف عزلته وحيداً في الاندفاعات المتفردة، وهذه المرة في أسوأ لحظة عبر وقوفه السافر وراء الاعتداءات والاعتراضات غير المبررة إطلاقاً لأنشطة “اليونيفيل”، ولكن ذلك لن يكفل وحده التهليل لهذه العزلة وإسقاط السؤال الأكبر حول ما إذا كانت السلطة اللبنانية ستقنع المجتمع الدولي بأن ما سيلي التمديد الذي ستطلبه لـ”اليونيفيل” يكفل إنفاذ القرار 1701 إنفاذاً كاملاً هذه المرة، وبأية ضمانات؟

 

غالب الظن أن ما جرى ويجري في يوميات الصدامات “الأهلية” الحدودية مع “اليونيفيل”، مضافاً إليها توقع تشدد أميركي وربما أيضاً من بعض الدول الأوروبية حيال التفويض المقبل لها، سيكشف نهاية الفرصة الدولية الممنوحة للبنان، إذا لم تكن شارفت نهايتها الآن، لإنجاز حاسم غير مشكوك فيه لنزع سلاح “حزب الله” تحت طائلة أخطر عزلة دولية يمكن أن يترك فيها لمواجهة الحرب المنهجية الإسرائيلية أياً تكن طبيعتها وحجمها.

 

ولعل المشكلة الراهنة في تشابك كل الملفات والقضايا المثارة خارجياً ومحلياً في لبنان تتمثل في أن كل لبنان وكل ما يحيط به وعبره صار مختصراً بملف نزع السلاح، في حين أن أي برمجة واضحة لهذه العملية الحتمية التي صارت الجراحة التي لا مفر منها لإنقاذ البلاد من سنين طويلة إضافية من الاستباحات، لم تولد بعد ولم تر النور . حتى في مطالع حقبة الطائف التي شهدت تسليم الميليشيات المتحاربة سلاحها، لم يختصر ملف لبنان دولياً وخارجياً بالسلاح الميليشيوي وحده كما يحصل الآن، بما يعكس خطورة عالية استثنائية لا يدركها بعد كثيرون حتى من أهل السلطة الجديدة في لبنان حيال إهمال أو تقليل حجم الأثر الذي تركته السنتان الأخيرتان من الحروب في المنطقة، والتي كان لبنان في قلب معتركها. ولعل الخشية من الإمعان في تفويت الوقت وملء القصور عن خطة لبنانية حاسمة لتصفية ملف السلاح ستغدو متدحرجة من تداعيات أين منها عزلة لبنان كلاً مع مسببات عزله!