بوينغ والرسوم الجمركية.. تحديات اقتصادية تهدد صناعة الطيران الأميركية

في 6 سنوات، واجهت شركة بوينغ مشاكل كبيرة جعلتها مثقلة بديون طائلة، لكن رسوم الرئيس دونالد ترامب جعلت وضع شركة الطائرات أسوأ، ونظراً لأهمية بوينغ كأكبر مُصدّر في الولايات المتحدة، فقد تُشكّل ضربةً موجعة للاقتصاد ككل.
كيف ستتأثر بوينغ بالرسوم؟
كما أن الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة بالفعل قد تُؤدي إلى ارتفاع هائل في تكلفة بناء الطائرات في الولايات المتحدة؛ نظراً لاعتماد بوينغ على الموردين الأجانب.
قال محلل شؤون الطيران والفضاء في بنك أوف أميركا، رون إبستاين، إن معركة الرسوم الجمركية هي آخر ما تحتاج إليه بوينغ الآن، وإن صناعة الطيران والفضاء الأميركية هي آخر قطاع قد ترغب إدارة ترامب في معاقبته.قال: «إذا كنت تفكر في قطاع تصنيعي مُصدّر صافٍ، على نطاق واسع، فلماذا ترغب في معاقبته؟».يدقّ ناقوس الخطر بالفعل بشأن ركود اقتصادي أميركي محتمل، قد تُلحق الرسوم الجمركية على الطائرات ومكوناتها الضرر بالإنتاج في جميع أنواع مصانع الطيران، وكذلك مُورّديها، وهذا قد يُسهم في دفع الاقتصاد إلى حافة الهاوية.
أولى الضربات
لعلّ أولى علامات المشكلات ظهرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما أُعيدت طائرتان من منشأة بوينغ في الصين إلى منشأة الشركة في سياتل بدلاً من إرسالهما إلى عملائهما الصينيين، لأن عملاء بوينغ الصينيون يواجهون رسوماً جمركية بنسبة 125 في المئة على أي واردات أميركية، وهو ردّ انتقامي على الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 145 في المئة على معظم الواردات الصينية. وأكّد الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، كيلي أورتبرغ، عودة طائرتين من الصين خلال مقابلة مع قناة سي إن بي سي اليوم الأربعاء، وقال إنّ طائرة ثالثة من المقرر أن تعود بسبب الرسوم الجمركية.على الرغم من مشاكلها العديدة، تُقدّر بوينغ أنها تدعم 1.6 مليون وظيفة، بشكل مباشر وغير مباشر، بما في ذلك ما يقرب من 150 ألف موظف أميركي من موظفيها. وإلى جانب التأثير الاقتصادي المباشر، قد تمتدّ مشاكل بوينغ ومنافستها الأوروبية إيرباص إلى قطاع الطيران العالمي بأكمله، مع احتمال تأثر التوظيف بتأخيرات محتملة في تسليم الطائرات الجديدة.من المقرر أن يتحدث مسؤولو بوينغ مع المستثمرين صباح الأربعاء، ومن شبه المؤكد أن تُطرح مسألة الرسوم الجمركية، على الرغم من أن مدى تأثيرها يبقى غير واضح.
مشكلات الصين هي مشكلات بوينغ
قد تكون الطائرات التي تمّ تحويل مسارها مجرد بداية لمشكلات بوينغ التجارية، إذ تُعدّ الصين أكبر وأسرع سوق نمواً للطائرات التجارية.وقدّر تحليل حديث أجرته بوينغ أن من المتوقع أن تشتري شركات الطيران الصينية 8830 طائرة جديدة خلال العشرين عاماً القادمة، وهو ما يُمثّل ما بين 10 و15 في المئة من الطلب العالمي، وفقاً لريتشارد أبو العافية، المدير الإداري لشركة الاستشارات الديناميكية الهوائية. لكن التوترات التجارية بين أميركا والصين قد تسببت بالفعل في تراجع بوينغ في السوق الصينية أمام منافستها الأوروبية إيرباص.طلب العملاء الصينيون 122 طائرة بوينغ في عامي 2017 و2018، وفي السنوات الست التي تلت ذلك، انخفض هذا العدد إلى 28 طائرة فقط، معظمها لطائرات الشحن أو من شركات التأجير الصينية، والتي قد تشتريها نيابة عن شركات طيران خارج الصين، ولم تُبلغ بوينغ عن أي طلب لشراء طائرة ركاب من شركة طيران صينية منذ عام 2019.
أهمية التجارة الحرة لبوينغ
وليس الأمر كما لو أن بوينغ يمكنها ببساطة بناء الطائرات في مصنع مختلف خارج الولايات المتحدة للتحايل على الرسوم الجمركية، فإن بوينغ هي أكبر مُصدر في البلاد، وعلى عكس الشركات الأميركية متعددة الجنسيات الأخرى، فإنها لا تُجمّع أي طائرات في أي دولة أخرى.علاوة على ذلك، ينتهي المطاف بنحو 80 في المئة من طائراتها التجارية في أيدي شركات طيران أجنبية، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، كيلي أورتبيرج، في شهادة أمام الكونغرس مؤخراً.وأضاف: «لذا فإن التجارة الحرة مهمة جداً بالنسبة لنا، لإنها تخلق وظائف أميركية طويلة الأجل وعالية القيمة، لذا، من المهم أن نستمر في الوصول إلى تلك السوق، وألا نواجه وضعاً تُغلق فيه بعض الأسواق أبوابها أمامنا».وأعلنت بوينغ يوم الأربعاء عن خسارة تشغيلية أساسية أقل من المتوقع بلغت 49 سنتاً للسهم في الربع الأول، أي أقل من نصف الخسارة المماثلة عن العام الماضي. واستشهد أورتبرغ بعدة مقاييس أظهرت تحسناً في عمليات الشركة في مذكرة للموظفين، لكنه أقر بأن القضايا التجارية قد تُشكل عائقاً في نتائجها المستقبلية.وقال في المذكرة: «بينما نراقب من كثب تطورات التجارة العالمية، فإن بدايتنا القوية لهذا العام، إلى جانب الطلب على الطائرات وتراكم طلباتنا البالغة نصف تريليون دولار لمنتجاتنا وخدماتنا، يمنحنا المرونة التي نحتاج إليها للتعامل مع هذه البيئة».لا تزال بوينغ لديها تراكم هائل للطلبات من شركات الطيران الصينية، 195 طائرة، وفقاً لتحليل إبستاين. كما تلقت الشركة طلبات لشراء 678 طائرة إضافية من شركات طيران لم تُحدد هويتها، وقد يكون معظمها من الصين أيضاً، حسب لإبستاين.ومن المرجح أن تجد الشركة مشترين بديلين حتى في حال إلغاء طلباتها الصينية من الطائرات، نظراً لتراكم طلباتها العالمية على مدى سنوات. قال أورتبيرج لشبكة سي إن بي سي، اليوم الأربعاء، إنه كان من المقرر تسليم نحو 50 طائرة إلى الصين هذا العام، وأنه من المفترض أن تتمكن من إيجاد مشترين آخرين لتلك الطائرات، بافتراض استمرار الرسوم الجمركية الصينية على الصادرات الأميركية هناك، وقال: «هناك الكثير من العملاء الذين يبحثون عن طائرات ماكس».
ماذا لو فرضت باقي الدول رسوماً على الواردات الأميركية؟
إذا فرضت دول أخرى رسوماً جمركية على الطائرات الأميركية أيضاً، فقد يكون ذلك أصعب في عملية البيع.حتى الآن، فرضت الصين فقط رسوماً جمركية انتقامية على البضائع الأميركية، ولكن قد تحذو دول أخرى حذوها. وقال إبستاين إن بوينغ، وهي مُصدّر رئيسي، قد تصبح حينها ورقة مساومة في الحرب التجارية العالمية، على الرغم من أن ذلك سيضر أيضاً شركات الطيران الدولية التي تحتاج إلى طائرات.وقال: «بوينغ هدف سهل»، وفرض رسوم جمركية على بوينغ «أمر بديهي».
ارتفاع تكاليف البناء
لكن بيع وتسليم الطائرات ليس سوى جزء من مشكلة بوينغ، قد يُصبح تصنيعها مشكلةً أيضاً، إذ تعتمد الشركة على قطع غيار أجنبية الصنع في نحو 80 في المئة من مكونات طائراتها، وفقاً لشهادة أورتبرغ الأخيرة أمام الكونغرس.وعلى سبيل المثال، تأتي أجنحة طائرة 787 دريملاينر، أغلى وأثمن طائرات بوينغ، من اليابان.وصلت سدادة باب طائرة 737 ماكس التي انفجرت في الجو في يناير 2024 من مورد في ماليزيا – على الرغم من أن المشكلات لم تكن بسبب المورد بل بسبب بوينغ، التي لم تستبدل البراغي الأربعة اللازمة لإبقاء سدادة الباب في مكانها.قد يكون العثور على موردين أميركيين جدد أمراً صعباً للغاية، إذ سيحتاج كل قطعة غيار ومورد أميركي جديد إلى إعادة اعتماد من إدارة الطيران الفيدرالية، وهي عملية قد تستغرق أكثر من عام بمفردها.وهذا يترك قطع غيار أجنبية، ورسوماً جمركية، للدفع، ما يرفع تكلفة بناء طائرة تتراوح قيمتها بالفعل بين 50 مليون دولار و100 مليون دولار بملايين أخرى. وليس من الواضح أن أي عميل لبوينغ سيكون على استعداد لتحمل هذه التكلفة، أعلنت دلتا رسمياً أنها لن تدفع رسوماً جمركية على طائرات إيرباص التي طلبتها والتي تُجمّع في أوروبا، وقال أبو العافية: «الجميع يقول إننا لا نعرف من سيدفع».وبالتأكيد، لا تستطيع بوينغ تحمّل هذه التكلفة، فلم تُسجّل أرباحاً سنوية منذ عام 2018، مُسجّلةً خسائر تشغيلية إجمالية بلغت 51 مليار دولار منذ ذلك الحين، ومن المُقرّر أن تُعلن عن خسارة أخرى صباح الأربعاء.والمورّدون في وضع أسوأ، فقد حذّرت شركة سبيريت إيروسيستمز التي تشتريها بوينغ، المستثمرين من «شكوك كبيرة» حول قدرتها على الاستمرار في العمل.قال أورتبيرغ لشبكة سي إن بي سي إنّ الشركة تعتقد أنّه سيتمّ التعامل مع أيّ تكاليف رسوم جمركية تُفرض على القطع المستوردة كجزء من خططها المالية الجارية.ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ الشركة تتوقع الحصول على ائتمانات، تُعرف باسم «الرسوم الجمركية»، على تكلفة الرسوم الجمركية إذا تمّ تصدير الطائرة التي تُصنّعها. ولكن هذا يفترض عدم وجود رسوم جمركية تتجاوز الصين التي تُقيّد صادراتها.أقرّ أورتبرغ بوجود مخاوف بشأن الضغوط التي ستفرضها الرسوم الجمركية على الموردين، وأن ذلك قد يُسبب مشكلات إنتاجية في شركة بوينغ، وقال: «المشكلة الأكبر تكمن في ضمان استمرارية سلسلة التوريد لدينا».وأبلغت شركة هاوميت إيروسبيس، وهي مورد آخر في قطاع الطيران والفضاء، عملاءها بأنها قد لا تتمكن من الوفاء بشروط عقودها، وفقاً لتقرير صادر عن رويترز. واستشهدت هاوميت بـ«القوة القاهرة»، وهو مصطلح قانوني يسمح للأطراف بالتنصل من التزاماتها التعاقدية بسبب ظروف خارجية لا مفر منها.وقال أبو العافية: «هذا أمر بالغ الأهمية، إذا صمدت حجة القوة القاهرة، ولا أعرف سبباً لذلك، فسيتجمد كل شيء».(كريس إيزيدور، CNN)