مدن تعاني من ضغوطات سياحية.. مظاهرات في برشلونة ولشبونة والبندقية ضد “السياحة الزائدة”

مدن تعاني من ضغوطات سياحية.. مظاهرات في برشلونة ولشبونة والبندقية ضد “السياحة الزائدة”

في مشهد غير معتاد لكنه متكرر في السنوات الأخيرة، تستعد مدن كبرى في جنوب أوروبا، من بينها برشلونة ولشبونة والبندقية، لاحتجاجات منسّقة يوم الأحد ضد ما يُعرف بـ«التسييح المفرط» الذي يغيّر ملامح الحياة اليومية ويضغط على السكان المحليين.
شملت الدعوات تنظيم تظاهرات في ثماني مدن إسبانية منها برشلونة وغرناطة وبالما وإيبيزا، إلى جانب لشبونة في البرتغال، والبندقية وجنوى وميلانو ونابولي وباليرمو في إيطاليا.

الواقع بالأرقام

استقبلت برشلونة، التي يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة، نحو 26 مليون سائح في عام 2024 فقط، أي ما يفوق عدد السكان بستة عشر ضعفاً تقريباً. ويُقدّر أن السياحة تمثل نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمدينة. في المقابل، أظهرت دراسة محلية أجريت العام الماضي أن 31 في المئة من سكان برشلونة يعتبرون السياحة «ضارة»، وهي أعلى نسبة تُسجل منذ بدء هذا النوع من الاستطلاعات.التداعيات الاقتصادية ليست هامشية، إذ ارتفعت الإيجارات بنسبة 68 في المئة خلال العقد الأخير، بينما ارتفعت أسعار شراء المنازل بنسبة 38 في المئة. هذه الأرقام دفعت بلدية المدينة إلى اتخاذ قرارات لاحتواء الأزمة، أبرزها إعلانها إغلاق جميع وحدات الإيجار السياحي القصير الأجل بحلول عام 2028، وفرض ضرائب على الزوار، ومنع التوسع العشوائي للشقق المخصصة للسياح.

تحركات مضادة ورسائل سياسية

في رد استباقي، نشرت وكالة السياحة في برشلونة رسالة مفتوحة أكدت فيها أن «أغلب سكان المدينة لا يكرهون السياح»، مشيرة إلى أن الزوار يسهمون في التنوع الاقتصادي والثقافي، لكن مع اعتراف واضح بالتحديات المصاحبة للسياحة الجماعية.وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلن رئيس حكومة كتالونيا هذا الأسبوع عن خطط لتوسعة مطار برشلونة الدولي ليصبح مركزاً أساسياً للرحلات العابرة للقارات، ما أثار غضب الناشطين مجدداً الذين يرون أن هذا التوسّع سيزيد الطين بلّة ويعزز الضغط على المدينة وسكانها.من ناحية أخرى، دافع مدير إير بي إن بي Airbnb في إيبيريا، خايمي رودريغيز دي سانتياغو، عن القطاع، معتبراً أن تحميل الإيجارات السياحية وحدها مسؤولية أزمة السكن هو نوع من «شيطنة» قطاع قد يسهم في توزيع الزوار على أحياء أقل ازدحاماً في المدينة.وبينما ترتفع أصوات الغضب في شمال إيطاليا، مثل روما والبندقية، تبدو الصورة مغايرة في الجنوب الإيطالي حيث تُستقبل السياحة باعتبارها فرصة اقتصادية قد تعيد إحياء أحياء كانت مهمشة.. هذا التباين يعكس اختلافاً في علاقة السكان المحليين بالسياحة بحسب موقعهم الجغرافي ووضعهم الاقتصادي.هذه الاحتجاجات ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى موجة متصاعدة من الاستياء الشعبي في مدن متوسطية باتت ترى في السياحة عبئاً يفوق المنافع.. من رسم الغرافيتي المعادي للسياح على الجدران، إلى طرد السكان من منازلهم بسبب العوائد الأعلى من الإيجارات القصيرة، إلى تدني جودة الوظائف في قطاع خدمات غير مستقر… باتت المعادلة الاقتصادية للسياحة محل تساؤل علني.ما تشهده هذه المدن ليس فقط صراعاً بين السياحة والسكان، بل نقاشاً أعمق حول مستقبل المدن الأوروبية، وكيفية الموازنة بين العوائد الاقتصادية قصيرة الأجل والاستدامة الاجتماعية والاقتصادية على المدى البعيد.فهل تنجح هذه الاحتجاجات في فرض مسار جديد للسياحة يكون أكثر إنصافاً؟ أم أن منطق السوق سيستمر في الهيمنة على المشهد؟