من بطولة الأندية إلى المونديال.. الولايات المتحدة تواصل استكشاف آفاق الاستضافة المشتركة

من بطولة الأندية إلى المونديال.. الولايات المتحدة تواصل استكشاف آفاق الاستضافة المشتركة

بينما تنطلق نسخة 2025 الجديدة والموسّعة من بطولة كأس العالم للأندية بمشاركة 32 فريقاً ولأول مرة في التاريخ، لا يتوقف الجدل عند مشكلات التعب البدني للاعبين أو غياب الحماس الجماهيري فحسب، بل يمتد ليكشف عن تحوّل جوهري في طريقة تنظيم البطولات الكبرى.
تستعرض أميركا من خلال هذه البطولة، رغم الانتقادات، قدرتها على إدارة نموذج مشترك للفعاليات الكبرى، وهو النموذج نفسه الذي ستُبنى عليه كأس العالم 2026 التي ستُقام بين أميركا وكندا والمكسيك.

لكن هذا الاتجاه لا يقتصر على كرة القدم، فقد تقرّر أن تستضيف مدينتا ميلانو وكورتينا دامبيتزو الإيطاليتان أولمبياد الشتاء 2026. ويبدو أن رابطة الكومنولث هي الأخرى تتجه نحو اعتماد هذا النموذج الأكثر مرونة، بعدما أصبح عبء التنظيم المنفرد صعباً حتى على الدول الغنية.تشير دراسة حديثة استندت إلى تجربة بطولة «يورو 2020» التي أُقيمت في 11 دولة أوروبية، بعد تأجيلها لعام 2021 بسبب جائحة كورونا، إلى أن هذا النموذج يحمل العديد من الفوائد. فقد ساعد في توزيع الأعباء المالية واللوجستية بين أكثر من مدينة، وقلّل من مخاطر «الأفيال البيضاء»، أي الملاعب والمنشآت التي تُبنى بتكلفة ضخمة ولا تُستخدم لاحقاً.من خلال استخدام منشآت قائمة وتقليل الحاجة إلى البنية التحتية الجديدة، تقل الأضرار البيئية والكلفة الاقتصادية. كما يمنح هذا النموذج الفرصة لدول وبلدان لم تكن لتفكر سابقاً في تنظيم حدث عالمي بمفردها، في أن تكون جزءاً من المشهد. وفي المقابل، تصبح مكاسب الفعاليات الكبرى، من انتعاش السياحة إلى تعزيز الهوية الثقافية والنقل العام، موزعة على عدة مناطق، بدلاً من أن تحصدها جهة واحدة.يتميّز النموذج المشترك أيضاً بقدرته على خلق روح من التنافس الإيجابي بين المدن المستضيفة، فقد أظهرت تجربة «يورو 2020» أن هذا التنافس الودي ساعد فرق التنظيم المحلية على السعي للتميّز وتقديم أفكار مبتكرة، فعلى سبيل المثال، نظّمت مدينة غلاسكو مهرجاناً ثقافياً ضمن إطار البطولة جمع بين الموسيقى والفن المحلي.ورغم غياب مركز جغرافي أو ثقافي موحّد، نجحت «يويفا» في تحقيق توازن بين التنوع المحلي والهوية الأوروبية الجامعة، مثل اختيار كل مدينة مستضيفة لجسر رمزي ضمن شعار «جسور أوروبا»، هذه الاستراتيجية رسّخت الهوية الشاملة للبطولة رغم تنوّع أماكنها.مع ذلك، لا يخلو النموذج من تحديات، قد يشعر بعض الجماهير بأن البطولة مفككة وغير مترابطة، أو أنها مجرد سلسلة فعاليات محلية متناثرة، لكن في المجمل، يبدو أن الفوائد البيئية والاقتصادية والثقافية لهذا النموذج تتفوق على التحديات.النقاش لم ينتهِ، والمونديال القادم في السعودية 2034، والذي يُرتقب أن يكون بتمويل ضخم وتنظيم مركزي، يذكّرنا بأن المال ما زال يتحدث. لكن في مقابل ذلك، يبدو أن العالم الرياضي يتجه نحو نمط أكثر تنوعاً وتعاوناً في تنظيم البطولات، وهو ما قد يكون بالضبط ما تحتاج إليه الرياضة العالمية ومشجعوها في هذا العصر الجديد.

قياسات اقتصادية تدعم النموذج الجديد

تُظهر تقديرات فيفا ومنظمة التجارة العالمية أن كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة قد تسهم بنحو 21.1 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينها 9.6 مليار لأميركا وحدها، إضافة إلى خلق 105 آلاف وظيفة بدوام كامل وتأمين منافع اجتماعية بقيمة 3.36 مليار دولار. كما تشير توقعات أخرى إلى أن الحدث قد ينشط الاقتصاد العالمي بنحو 41.3 مليار دولار ويرفع فرص التوظيف إلى 432 ألف منصب. ويأتي هذا في سياق يتضمن عائدات ضخمة من البث والتسويق، حيث أبرمت فيفا صفقة بث مع DAZN بقيمة مليار دولار، ما يعزّز الدخل المرتبط بالحقوق الإعلامية.إذا عدنا إلى كأس العالم 2006 في ألمانيا، نرى أنها زادت السياحة محلياً بنحو 400 مليون دولار، وولّدت 3 مليارات إضافية من المبيعات في قطاع التجزئة، إضافة إلى توفير 500 ألف فرصة عمل مؤقتة. تلك الأرقام تلقي الضوء على القدرات الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تنتج عن استضافة فعاليات كبرى متعددة المواقع.وفي أوروبا، أكدت دراسة حديثة على أثر الاستضافة المشتركة في اليورو وكأس العالم على أعلى معدلات نمو الوظائف والناتج المحلي، رغم اختلاف التأثير على السياحة واستثمارات البنية التحتية.إن قراءة الأرقام بعيون اقتصادية تكشف أن الاتجاه نحو الاستضافة المتعددة ليس مجرد حل تنظيمي، بل تحوّل في النموذج الاقتصادي للرياضة العالمية، حيث تسعى المؤسسات الرياضية الكبرى إلى تحقيق استدامة اقتصادية وبيئية في ظل تصاعد تكاليف الاستضافة وتقلّب الظروف الجيوسياسية.وإذا نجحت أميركا في اختبار 2025، فقد نشهد جيلاً جديداً من البطولات لا تكتفي بلعبة كرة القدم، بل تلعب في ميدان الاقتصاد العالمي أيضاً.