أحداث مشوقة بشأن مضيق النفط العالمي: صادرات الخليج بؤرة التوتر بين إيران وإسرائيل

أحداث مشوقة بشأن مضيق النفط العالمي: صادرات الخليج بؤرة التوتر بين إيران وإسرائيل

تصاعد التوتر فجأة بين إيران وإسرائيل منتصف يونيو حزيران 2025 بعد أن شنت طائرات إسرائيلية ضربات على أهداف إيرانية استهدفت منشآت نووية تحت الأرض وقواعد صاروخية. ردّت طهران بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة، ما أثار مخاوف عالمية بشأن عبور النفط والغاز عبر مضيق هرمز، الشريان البحري الذي يمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يعادل نحو 20 في المئة من الإمدادات العالمية. ويذهب 75 في المئة منها إلى آسيا، كما يمرّ 7.5 مليون برميل إضافي عبر قناة السويس، حسب الوكالة الدولية للطاقة (IEA).
ويتم نقل أكثر من 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنوياً عبر مضيق هرمز، يذهب ما يقارب 80 في المئة منه إلى الأسواق الآسيوية، حسب الوكالة الدولية للطاقة (IEA).يُعد هذا الممر الاستراتيجي الذي يربط الخليج بالأسواق الآسيوية والأوروبية من أخطر نقاط الاختناق في تجارة الطاقة العالمية، وأي اضطراب فيه من شأنه أن ينعكس مباشرة على أسعار النفط والغاز وأسواق الطاقة ككل.

وحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية السنوي الصادر في أكتوبر تشرين الأول 2024، كان احتمال الإغلاق الكامل للمضيق ضعيفاً، وسيكون كارثياً في حال إغلاقه، بسبب غياب بدائل كافية، ولأنه سيمنع الوصول إلى معظم الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لدى أوبك.

صادرات النفط والغاز عبر المضيق

تعد دول الخليج والعراق وإيران المصدر الأول للنفط الذي يمر عبر هرمز، فوقفاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) المستندة إلى فورتكسا Vortexa، تصدّر السعودية 6.2 مليون برميل نفط يومياً عبر المضيق، تليها العراق بـ3.2 مليون، ثم الإمارات بمليونين، فالكويت بـ1.5 مليون، وإيران بـ1.3 مليون، وقطر بـ0.7 مليون، في حين تمثل صادرات البحرين وغيرها نحو 0.1 مليون برميل يومياً.أما البحرين ودول أخرى فتمثل صادراتها الكلية حوالي 0.1 مليون برميل يوميًا فقط، أي حصة هامشية، بذلك، بلغ إجمالي ما يمر عبر مضيق هرمز من النفط الخام في عام 2023 نحو 15.1 مليون برميل يومياً، بذلك، يبلغ إجمالي النفط الخام لدول الخليج المار عبر مضيق هرمز يومياً نحو 14 مليون برميل.وعند النظر إلى وجهات هذا النفط المار عبر مضيق هرمز، تكشف بيانات 2023 أن الصين عززت مركزها كأكبر مشترٍ، إذ استوردت 5.0 ملايين برميل يومياً، أي أكثر من ربع كامل التدفقات. تليها الهند بنحو 1.9 مليون برميل يومياً، ثم اليابان وكوريا الجنوبية بـ1.7 مليون برميل يومياً لكل منهما.أما بقية الدول الآسيوية فقد تلقت نحو 2.2 مليون برميل يومياً مجتمعة، ما يؤكد أن آسيا تستأثر بنحو 75 في المئة من النفط المنقول عبر المضيق.بالمقابل، حصلت أوروبا على نحو مليون برميل يومياً، والولايات المتحدة على 0.5 مليون برميل فقط، بعض الكميات الأخرى ذهبت إلى السعودية للاستهلاك المحلي أو التكرير الداخلي، إلى جانب وجهات ثانوية مثل الأردن ومصر، بإجمالي 0.7 مليون برميل يومياً.وبالنظر إلى ما يتم تصديره من نفط بشكل أكثر تفصيلاً سواء كان خاماً أومكثفات أومنتجات، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة، نجد أن السعودية تتصدر القائمة بصادرات تبلغ 7.11 مليون برميل يومياً، منها 6.31 مليون برميل من الخام و0.8 مليون برميل من المنتجات والمكثفات، معظم هذه الكميات يتم تصديرها من موانئ على الخليج العربي، وبالتالي تمر عبر مضيق هرمز، باستثناء ما يُصدر عبر خط أنابيب شرق- غرب إلى البحر الأحمر، والذي لا يغطي كامل الكمية.تأتي العراق في المرتبة الثانية بإجمالي صادرات يبلغ 3.65 مليون برميل يومياً، يمر أغلبها من خلال موانئ البصرة، وبالتالي أيضاً عبر مضيق هرمز. أما الإمارات فتصدر نحو 3.38 مليون برميل يومياً، رغم أنها تمتلك خط أنابيب «أبو ظبي– الفجيرة» الذي يمر خارج المضيق، فإنه لا يستخدم لتصدير كامل الكمية.لا تزال إيران، ورغم العقوبات، تصدر قرابة 1.83 مليون برميل يومياً، كلها تقريباً تمر من المضيق، ما يضاعف من حساسية وضعها الاستراتيجي، كذلك الحال مع الكويت التي تصدر 2.43 مليون برميل يومياً، وقطر التي تصدر 1.47 مليون برميل يومياً، وجميعها تعتمد كلياً على المضيق كممر رئيسي وحتمي.أما على مستوى الغاز الطبيعي المسال، فقد بلغت صادرات قطر 79.8 مليون طن، والإمارات 5.4 مليون طن خلال عام 2023، ويمر نحو 96 في المئة منها عبر المضيق، ما يعادل نحو 20 في المئة من تجارة الغاز المسال العالمية؛ أي تعطيل في هذه الشحنات قد يضرب أهم الأسواق بالأخص الصين والهند.أما البحرين والكمية الصغيرة من المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، والتي تبلغ صادراتها معاً 0.46 مليون برميل يومياً، تسهم أيضاً في تعزيز عبء مضيق هرمز، رغم محدودية الكميات نسبياً.وعند مقارنة نسب اعتماد كل دولة خليجية على المضيق، نجد أن العراق يعتمد بنسبة 94.1 في المئة من صادراته النفطية عليه، تليه قطر بـ93.3 في المئة، ثم السعودية بـ83.8 في المئة، وإيران بـ81.3 في المئة، والكويت بـ78.9 في المئة، والإمارات بـ55.6 في المئة، والبحرين بنحو 77 في المئة.هذا التفاوت يوضح أن أي اضطراب في المضيق لن ينعكس بالتساوي على الدول، بل قد يصيب العراق وقطر والكويت بأعلى درجات الهشاشة.

تأثير التصعيد على الأسواق العالمية وسيناريوهات متوقعة

أدت المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل إلى صعود حاد في أسعار النفط، إذ قفز خام برنت يوم 13 يونيو حزيران بأكثر من 7 في المئة مسجلاً 74.23 دولار للبرميل، بعد أن لامس مستوى 78 دولاراً، في أكبر ارتفاع يومي منذ عام 2022، وتوقعت تقارير عدة وصول الأسعار إلى 100 دولار في حال قررت إيران تهديد أو إغلاق مضيق هرمز.لكن بالمقابل، لا تزال الأسواق تتمتع بهامش مريح من المعروض، مدعوماً بارتفاع إنتاج دول مثل الولايات المتحدة، البرازيل، وكندا، كما أن المخزون الاستراتيجي العالمي يقدر بمليارات البراميل، ما يوفر عنصر أمان نسبي. لذلك، يرى المستثمرون أن هناك قدرة على امتصاص جزء من الصدمات المحتملة، على الأقل في المدى القصير.في منتصف عام 2025، تقدر الطاقة الفائضة لدى أوبك+ بنحو 5.5 إلى 6 ملايين برميل يومياً، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، تستطيع السعودية وحدها زيادة إنتاجها بنحو 2.5 إلى 3 ملايين برميل يومياً، ورغم هذا الفائض، فإن أغلبه غير مفعّل نتيجة اتفاقات خفض الإنتاج بين الأعضاء.وهناك مخزون طارئ يقدر بمليارات البراميل يغطي أي انقطاع طويل الأمد، على أثر ذلك، يبدو أن المستثمرين يحذون حذو وكالة الطاقة الدولية وأقرانها بالقول إن الاحتياطات العالمية كافية لدرء تأثير أي انقطاع محتمل عبر هرمز.و لذلك تشير السيناريوهات المحتملة لتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل إلى ثلاث مسارات رئيسية تتفاوت في التأثير على أسواق النفط العالمية.في السيناريو الأول، إذا تم احتواء التصعيد سريعاً خلال أسبوعين دون توسيع رقعة الانخراط الإقليمي، فإن التأثير سيكون محدوداً.في هذه الحالة، من المتوقع أن تبقى أسعار خام برنت ضمن نطاق يتراوح بين 75 و85 دولاراً للبرميل، إذ لن تلجأ طهران إلى استخدام ورقة مضيق هرمز كورقة ضغط، وستبقى حركة تدفق الصادرات النفطية مستقرة، مع انخفاض التوتر تدريجياً.أما في السيناريو الثاني، فتفترض التطورات استمرار الضربات المتبادلة مع بدء تنفيذ هجمات محدودة على ناقلات النفط في مياه الخليج، على غرار ما حدث في عام 2019. في هذا المسار، يُتوقع أن ترتفع أسعار النفط إلى مستويات تتراوح بين 90 و100 دولار للبرميل نتيجة زيادة المخاطر الجيوسياسية المباشرة على طرق الإمداد. كما ستشهد أسواق التأمين والشحن قفزات حادة في التكاليف، ما سينعكس لاحقاً على أسعار الوقود وتكاليف النقل والتوريد عالمياً، خصوصاً في الاقتصادات المستوردة للطاقة.وفي السيناريو الثالث، وهو الأكثر تطرفاً وتأثيراً، فإن احتمال حدوث إغلاق جزئي أو تهديد جدي بإغلاق مضيق هرمز، سواء عبر التصعيد العسكري أو ضرب منشآت تصدير حيوية مثل جزيرة خرج الإيرانية، سيؤدي إلى هزة عنيفة في السوق.في هذه الحالة، من المرجح أن يتجاوز سعر خام برنت حاجز 120 دولاراً للبرميل، مع بدء الدول المستهلكة الكبرى في السحب من مخزوناتها الاستراتيجية لتأمين الاحتياجات، في حين ستلجأ منظمة أوبك، وخاصة السعودية، إلى تفعيل الطاقة الإنتاجية الفائضة لاحتواء جزء من النقص المتوقع، هذا السيناريو قد يخلق تأثيراً مضاعفاً على سلاسل الإمداد والنمو الاقتصادي العالمي، ويضع الأمن الطاقي في اختبار فعلي غير مسبوق منذ أزمة 1979. وبشكل عام، ماذا يجب أن تفعل الدول وصنّاع القرار؟ على دول الخليج الإسراع في توسعة قدرات التصدير عبر الأنابيب البديلة، مثل توسيع طاقة خط شرق–غرب السعودي وخط الفجيرة الإماراتي. على العراق والكويت السعي لتفعيل حلول بديلة طويلة الأجل عبر الأردن أو البحرين أو الاستثمار في خطوط أنابيب إقليمية. يجب على الدول المستوردة، خصوصاً في آسيا، تنويع مصادر وارداتها النفطية وزيادة الاحتياطات الاستراتيجية، على أوروبا تطوير مرونتها الطاقية عبر الاستثمار في البنية التحتية للغاز المسال والربط مع إفريقيا.