تحول العقار من منتج إلى نمط حياة

تحول العقار من منتج إلى نمط حياة

في عصر تعاني فيه المدن الكبرى من تضخم الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، يُعاد النظر في أسس الاستثمار العقاري على مستوى العالم، لم يعد الموقع وحده كافياً، ولا حتى العائد السنوي. ما يبحث عنه المستثمرون اليوم هو الاستقرار طويل الأجل، والتنظيم العمراني الذكي، وتكامل البنية التحتية مع جودة الحياة. من سنغافورة إلى لشبونة، ومن فانكوفر إلى الشارقة ودبي، ترتفع المدن الساحلية كأبرز اللاعبين في إعادة تعريف قيمة الأرض.وفي هذا السياق، أود هنا أن أشارك معكم وجهة نظري التالية: يشهد سوق العقارات العالمي تحولاً لافتاً في العقد الأخير، يتمثل في الانتقال من بيع “الوحدة العقارية” كمنتج منفصل إلى تقديم منظومة متكاملة من العيش والاستثمار والتنقل والعمل في إطار حضري واحد.

هذا التحول –الذي عمّقته تداعيات الجائحة، والتحول الرقمي، وارتفاع تكاليف السكن في المدن الكبرى– يتجلى بوضوح في ارتفاع الطلب على المجتمعات العقارية المتكاملة ذات الموقع المائي والبنية التحتية الذكية.
في الإمارات، هذا التحول ينعكس على نحو خاص في مشاريع مدن الواجهة البحرية مثل تلك التي نشهدها اليوم في إمارة الشارقة، ومع توجه رأس المال العقاري نحو الإمارات الشمالية بفعل زيادة التنافسية في الأسعار، وتحسُّن البنية التحتية، والبيئة التنظيمية الجاذبة، باتت الشارقة –وخصوصاً منطقة الحمرية– وجهة جادة للمستثمرين الإقليميين والدوليين.أحدث هذه المشاريع –تطوير شامل لثماني جزر في منطقة الحمرية على مساحة 60 مليون قدم مربعة– يعكس هذا التوجه، بتكلفة استثمارية تبلغ 25 مليار درهم (نحو 6.8 مليار دولار)، تُقدَّم الجزر كبيئة سكنية– استثمارية هجينة، تستوعب أكثر من 60 ألف نسمة ضمن نموذج عمراني مائي متكامل.ما يميّز هذا التوجه في الشارقة، مقارنة ببعض التجارب العالمية، هو الانضباط التشريعي والاتزان في تسعير الأصول العقارية، وهو ما يجعل السوق أكثر استقراراً وجاذبية للمستثمر طويل الأجل، توفر الشارقة بيئة عقارية تركز على الاستخدام والعيش، لا فقط إعادة البيع، ما ينعكس على نوعية المطورين والمستثمرين.المفارقة أن هذه المشاريع لا تستهدف الشرائح فائقة الثراء فقط، بل شريحة أوسع من المستثمرين المتوسطين من الخليج وآسيا وأوروبا الشرقية، الذين يبحثون عن “ثاني بيت” أو خيار استقرار بعيداً عن المدن الكبرى، والملاحظ أن الطلب لم يعد عاطفياً، بل عقلانياً– مدفوعاً بتحليل العائد، والاستقرار القانوني، وتكلفة الملكية.من منظور الاقتصاد الحضري، ما يجري في الشارقة يشكّل تجربة مختلفة عن النمط العقاري التقليدي الذي كان يربط قيمة العقار بالعرض المحدود والموقع الرمزي.اليوم، تُبنى القيمة على عناصر أكثر تعقيداً: الاستخدام، والعيش، والتنقل، والقدرة على التوسع دون فقدان الهوية العمرانية.هنا تبرز فرصة نوعية: لدى مدن مثل الشارقة مقومات كثيرة تؤهلها لتكون من أبرز وجهات الجيل القادم في الاستثمار العقاري الدولي.لتحقيق ذلك، من المهم البناء على ما تم إنجازه في مساري الحوكمة والتخطيط، من خلال:·         الاستمرار في التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد.·         الاستمرار في تعزيز التكامل بين النمو العمراني والسياسات البيئية والاجتماعية (ESG)، بما يواكب تطلعات المستثمرين والمقيمين على حد سواء.في نهاية المطاف، مستقبل الاستثمار العقاري العالمي يتجه نحو المدن التي تبني مجتمعات متكاملة، وتقدم أنماط حياة مدروسة تجمع بين جودة الحياة، والكفاءة العمرانية، والحوكمة الرشيدة، وعندما تتكامل هذه العناصر، يصبح العقار أكثر من مجرد منتج، بل أداة لبناء الثقة وتعزيز الاستقرار طويل الأمد.تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.