لبنان يعيد تشكيل قواعد السرية المصرفية.. بين الشفافية والتحديات القضائية

في خطوة تُعدّ تحولاً تاريخياً في النظام المالي اللبناني، أقرّ مجلس النواب اللبناني في 24 أبريل نيسان 2025 تعديلات جوهرية على قانون السرية المصرفية المعمول به منذ عام 1956. تهدف هذه التعديلات إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وتلبيةً لمطالب صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019.
تعديلات جوهرية على قانون السرية المصرفية
بموجب القانون الجديد، تم منح الجهات الرقابية، بما في ذلك مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وشركات التدقيق المستقلة، صلاحيات موسعة للاطلاع على الحسابات المصرفية، والاطلاع على الأسماء، وإجراء التحقيقات اللازمة دون الحاجة لتبرير مسبق.يشمل ذلك الحسابات الدائنة أو المدينة، داخل وخارج الميزانية، وأي سجلات ومستندات ومعلومات عائدة إلى شخص معنوي أو حقيقي يتعامل مع أي مصرف أو مؤسسة خاضعة للرقابة.
ويُطبق هذا القانون بأثر رجعي لمدة عشر سنوات، ما يتيح للجهات المعنية التحقيق في العمليات المالية منذ عام 2015.
استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي
كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.وقد أكد رئيس الوزراء نواف سلام أن «إقرار مجلس النواب مشروع الحكومة المتعلّق بالسريّة المصرفية يشكّل خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود، وركيزة أساسيّة لأيّ خطة تعافٍ».
تداعيات التعديلات على النظام المالي اللبناني
من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي. كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة. إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل بما يلي ذلك من خطوات على صعيد المحاسبة والمساءلة
تحديات التنفيذ والمساءلة
رغم أهمية هذا الإنجاز، يبقى التحدي الأكبر في تنفيذ القانون بشكل فعّال، وضمان استقلالية القضاء، ومحاسبة المتورطين في الفساد المالي، دون استثناء أو تمييز، ففي نظام لا يزال فيه القضاء هشاً، مثقلاً بالضغوط السياسية، ومخترقاً في بعض مفاصله، تُطرح أسئلة مشروعة حول قدرة المؤسسات القضائية على ملاحقة الفاسدين، خصوصاً عندما يكون بعض المتورطين من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.مع فتح باب التدقيق في الحسابات المصرفية، يقف لبنان عند مفترق طرق: إما أن يدخل فعلاً عهداً جديداً من الشفافية والمحاسبة، أو أن تتكرّر مشاهد الفضائح التي تنكشف ثم تطوى دون محاسبة، ليبقى الفساد سيد الموقف، ويحصد المواطن الثمن الأكبر من جديد.