بطاريات السيارات الكهربائية المستعملة.. كنز ضائع أم فرصة ذهبية للطاقة المستقبلية؟

بطاريات السيارات الكهربائية المستعملة.. كنز ضائع أم فرصة ذهبية للطاقة المستقبلية؟

بينما تتسارع مبيعات السيارات الكهربائية في العالم، يبرز سؤال جوهري: ماذا سنفعل بالبطاريات العملاقة بعد انتهاء عمرها الافتراضي؟ في عام 2024 وحده، تم بيع أكثر من 17 مليون مركبة كهربائية وهجينة، وسط توقعات بوصول المبيعات إلى 20 مليون مركبة هذا العام، ما يمثل قرابة 20 في المئة من إجمالي السيارات المبيعة عالمياً.
مع متوسط وزن للبطارية يبلغ نحو 450 كيلوغراماً، تُظهر التوقعات أن أستراليا وحدها ستحتاج إلى التعامل مع نحو 30 ألف طن من البطاريات المستهلكة بحلول 2030، على أن يقفز الرقم إلى 360 ألف طن في 2040 ثم إلى 1.6 مليون طن بحلول 2050.

عقبة البيانات… خطر اقتصادي وبيئي

تعتمد إعادة استخدام البطاريات على معرفة دقيقة بحالتها الصحية ومكوناتها وتاريخ تعرضها للحوادث أو الاستخدام القاسي. اليوم، يصعب على الشركات الحصول على هذه المعلومات بسبب تحفظات الشركات المصنّعة بدواعي حماية الملكية الفكرية. وبدون بيانات موثوقة، تصبح عملية إعادة التوظيف محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى خسائر مالية أو حتى حرائق بسبب الأعطال الخفية.وفي ظل هذه الفجوة المعلوماتية، يتردد المستثمرون والشركات في دخول سوق إعادة استخدام البطاريات، ما يدفع الكثير من البطاريات إلى التدوير المبكر بدلاً من الاستفادة الكاملة من عمرها التشغيلي.

أين يقف الشرق الأوسط بين كل هذا؟

تواجه الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) تحديات كبيرة في ما يتعلق بتوفير بنية تحتية كافية لمحطات شحن السيارات الكهربائية. تظهر البيانات لعام 2024 أن الإمارات العربية المتحدة تتصدر الدول في المنطقة بعدد 261 محطة شحن كهربائية، تليها المملكة العربية السعودية بـ101 محطة، فيما نجد أن مصر تحتل المرتبة الخامسة بـ31 محطة شحن فقط.

التدوير… حل مكلف لكنه ضروري

تقنياً، يمكن إعادة تدوير نحو 95 في المئة من مكونات بطاريات السيارات الكهربائية، خاصة المعادن الحيوية مثل النيكل والكوبالت والليثيوم والمنغنيز. ومع ذلك، يبقى التدوير عملية شاقة تتطلب تفكيك آلاف الخلايا المترابطة ضمن حزم البطاريات المحكمة الإغلاق، وفي بعض الحالات، لا مفر من سحق البطارية بالكامل لاستخلاص المعادن منها لاحقاً، ما يجعل العملية مكلفة وتستهلك الكثير من الطاقة الكيميائية.

الليثيوم.. كيف يمكن تلبية الطلب في المستقبل؟

على الصعيد العالمي، تبرز قضية الليثيوم كمورد حيوي من أجل دعم نمو صناعة السيارات الكهربائية وتحقيق الانتقال إلى الطاقة النظيفة، مع زيادة الطلب المتوقع على السيارات الكهربائية إلى 350 مليون سيارة بحلول عام 2030، من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الليثيوم بشكل كبير. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن الإمدادات الحالية من الليثيوم لن تكون كافية لتلبية هذا الطلب المتزايد، حيث تشير التوقعات إلى ضرورة زيادة الإنتاج بشكل كبير.أحد الحلول التي قد تساعد في تلبية هذا الطلب هي تقنيات استخراج الليثيوم الحديثة مثل استخراج الليثيوم المباشر (DLE)، التي تمثل تقدماً كبيراً في تحسين معدلات استخلاص الليثيوم وتوفير الطاقة والمياه اللازمة للعملية. من المتوقع أن تؤدي هذه التقنيات إلى زيادة سرعة الاستخراج وتخفيض الأثر البيئي، ما يساعد على ضمان تلبية الطلب المستقبلي بشكل أكثر استدامة.

تصنيف البطاريات المستعملة… من القيادة إلى التخزين

تصنف البطاريات المستعملة بحسب حالتها الصحية إلى ثلاث فئات، وهم إما البطاريات التي تحتفظ بأكثر من 80 في المئة من طاقتها الأصلية يمكن تجديدها لاستخدامها مجدداً في المركبات الكهربائية أو الدراجات الكهربائية أو عربات الغولف. أما البطاريات التي تتراوح كفاءتها بين 60 في المئة و80 في المئة فهي مثالية لتخزين الطاقة الثابتة أو كمصادر طاقة احتياطية. في حين يتم إرسال البطاريات التي تقل كفاءتها عن 60 في المئة إلى مصانع إعادة التدوير لاستخلاص المعادن الحيوية منها.

خطوات تشريعية ضرورية

تدرك بعض الدول أهمية فرض شفافية أكبر على مصنعي البطاريات، ففي عام 2021، ألزمت ولاية كاليفورنيا الشركات المصنعة بمشاركة بيانات البطاريات مع شركات إعادة التدوير. كما ستفرض أوروبا بدءاً من 2027 توفير «جواز رقمي» لكل بطارية كهربائية يحتوي على بيانات حالتها وكيمياء تصنيعها وسجل تعرضها للأحداث الحرجة.وتشير التوصيات إلى ضرورة أن تحذو أستراليا حذو هذه التشريعات سريعاً قبل أن تواجه جبلاً متنامياً من البطاريات المهجورة التي يصعب التعامل معها.في عالم يسعى إلى خفض الانبعاثات وتعزيز الاقتصاد الدائري، تمثل بطاريات السيارات الكهربائية المستعملة فرصة ذهبية قد تسهم في تقليل الحاجة إلى استخراج معادن جديدة وخفض البصمة الكربونية. إلا أن اغتنام هذه الفرصة يتطلب كسر جدار الصمت حول بيانات البطاريات، ووضع إطار تنظيمي يوازن بين حماية الابتكار وضمان استدامة الموارد.