«من فخ إلى فخ».. أوروبا تتخلص من الغاز الروسي لتقع في شباك الأميركي

وضع الاتحاد الأوروبي خطة طموحة للتخلص نهائياً من الغاز والنفط الروسي بحلول نهاية 2027، لكن تنفيذ هذه الخطة يشكل تحدياً صعباً سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي للقارة العجوز، حسب ما يقول محللون تحدثوا مع «CNN الاقتصادية».
وفي 6 مايو أيار الجاري أعلنت المفوضية الأوروبية عن خارطة طريق تضمن لها الاستقلال التام في مجال الطاقة عن روسيا، وستتبعها بمقترحات تشريعية ستقدمها الشهر المقبل للدول الأعضاء، متعهدة ضمان استقرار إمدادات الطاقة وأسعارها في جميع أنحاء الاتحاد خلال تنفيذ هذه الخطة.
خطة أوروبا للتخلص من الغاز والنفط الروسي
يخطط الاتحاد الأوروبي لتنفيذ خارطة طريق تنهي تدريجياً اعتماده على النفط والغاز الروسي والطاقة النووية بحلول 2027.وستبدأ أوروبا هذه الخطة خلال العام الجاري 2025، إذ تخطط لمنع إبرام عقود جديدة مع موردي الغاز الروسي سواء عن طريق خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المسال، وكذلك إيقاف عقود البيع الفوري الحالية بحلول نهاية عام 2025.وسيضمن هذا الإجراء أن يكون الاتحاد الأوروبي قد خفض إمداداته المتبقية من الغاز الروسي بمقدار الثلث بحلول نهاية 2025.وانخفضت واردات أوروبا من الغاز الروسي إلى 52 مليار متر مكعب مقابل 150 مليار متر مكعب في 2021، لتتراجع حصة روسيا من الواردات الغاز إلى أوروبا إلى 19 في المئة مقابل 45 في المئة، وفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي.ويقول ديفيد جوربناز، المتخصص في أسواق النفط ومحلل أسواق النفط في ICI، لـCNN الاقتصادية، إن أوروبا استبدلت واردات الغاز الروسي عبر الخطوط بواردات الغاز الطبيعي المسال، كما خفضت الطلب المحلي، وسرعت الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.ويضيف: «لكن رغم إحراز تقدم ملحوظ، فإن التخلص التام من الغاز الروسي بحلول عام 2027 يظل ممكناً من الناحية الفنية لكنه يشكل تحدياً سياسياً واقتصادياً».بينما يرى أندريه كوفاتاريو، المؤسس المشارك في ECERA، أن جزءاً من انخفاض الغاز الروسي لأوروبا خلال السنوات الماضية كان لأن روسيا نفسها التي خفضت الشحنات إلى أوروبا.ويضيف لـ«CNN الاقتصادية» أن طموح الاتحاد الأوروبي بالتخلص التدريجي الكامل من الغاز الروسي بحلول عام 2027 يظل مهمة صعبة.ولا تزال بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية مثل المجر والنمسا وسلوفاكيا تعتمد على عقود طويلة الأجل مع شركة غازبروم، ولديها قدرة محدودة على الوصول إلى طرق الإمداد البديلة.وتقول ستاندرد آند بورز كوميدتي إنسايتس إن دولاً أخرى في جنوب شرق أوروبا تشتري الغاز من خطوط الأنابيب الروسية بما في ذلك اليونان ورومانيا، في حين يأتي الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى عدد من الأسواق في أوروبا الغربية وتحديداً فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا.وبحسب كوفاتاريو فإن التوصل إلى إجماع على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن التخلص التدريجي الكامل من الغاز الروسي قد يكون أمراً صعباً، وخاصة في ضوء تفضيلات دول مثل المجر أو سلوفاكيا لشراء الغاز من روسيا.ولا تزود روسيا أوروبا حالياً بالغاز عبر خطوط الأنابيب إلا عبر طريق تورك ستريم بعد أن أوقفت أوكرانيا عبور الغاز الروسي بعد انتهاء اتفاقية العبور مع موسكو في نهاية 2024.ووفقاً لبيانات كوميدتي إنسايتس فإن إجمالي تسليمات الغاز إلى أوروبا عبر شركة تورك ستريم ارتفعت بنسبة 22 في المئة على أساس سنوي في 2024 عند 15.5 مليار متر مكعب.ويستلم عدد من دول أوروبا الغاز الطبيعي المسال من موسكو عبر منشأة يامال للغاز الطبيعي المسال في شمال روسيا.ويقول جوربناز إن فجوات البنية التحتية في أوروبا، خاصة في مجال إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز والربط عبر الحدود، تشكل تحدياً وتزيد المخاطر بشأن وصول أوروبا لهدفها بحلول عام 2027.ولم تظهر واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال الروسي أي مؤشرات على التباطؤ حتى الآن في عام 2025، إذ تقول كوميدتي إنسايتس إن روسيا زودت الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 5.8 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال حتى الآن هذا العام.
طريق أوروبا غير مأمون للحصول على الغاز
ويمكن لأوروبا أن تسرع الخطى عن طريق تأمين عقود أكثر مرونة لواردات الغاز الطبيعي المسال مع دول مثل أميركا وقطر ونيجيريا والجزائر، وفقاً لما يقوله المتخصص في أسواق النفط ومحلل أسواق النفط في ICI.وهو ما يؤكده المؤسس المشارك في ECERA، ويقول إنه من الممكن أن تشكل الزيادة الإضافية في صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية.وفتح ابتعاد أوروبا عن الغاز الروسي نافذة كبيرة من الفرص لمصدري الغاز الطبيعي المسال العالميين.وأصبحت أميركا الآن أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، مع خطط لتوسيع القدرة التصديرية حتى عام 2026، إذ تشير البيانات إلى أن أميركا زودت أوروبا بنحو 45 في المئة من وارداتها خلال 2024 أي 114 مليار متر مكعب، بينما مثلت صادرات أميركا إلى أوروبا نحو 43 في المئة من إجمالي الصادرات الأميركية للغاز المسال.لكن ديفيد جوربناز يرى أن الاعتماد المتزايد على الواردات الأميركية يثير المخاوف، إذ يمكن أن يصبح الغاز الطبيعي المسال سلاحاً جيوسياسياً.ويرى أندريه كوفاتاريو أن الجغرافيا السياسية ستلعب دوراً حاسماً، خاصة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن، مشيراً إلى أن أوروبا بدأت تستكشف خيارات أخرى داخل حدودها وخارجها بما في ذلك في الشرق الأوسط، مع دول قطر والإمارات.ويقول جوربناز إنه بينما تستمر جهود التنويع، فإن التأخير في نشر الإمدادات البديلة يترك أوروبا معرضة للخطر، لكن الحل يكمن في تسريع وتيرة الطاقة النظيفة، وتوسيع مصادر الإمداد، والحد من الاعتماد الاستراتيجي على أي دولة بعينها.