التكنولوجيا.. الطريق الأفضل لتحصين أوروبا من الاعتداءات العسكرية

التكنولوجيا.. الطريق الأفضل لتحصين أوروبا من الاعتداءات العسكرية

في مواجهة احتمال انسحاب عسكري أميركي من التدخل في أوروبا، وتهديد متزايد من روسيا، تُخطط قوى كبرى مثل ألمانيا والمملكة المتحدة لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، لذلك يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تحصين نفسه بتوجيه المزيد من مئات المليارات من اليورو إلى تكنولوجيا الدفاع بدلاً من إهدار هذه الأموال على رواتب الجنود وأسلحة متقادمة.من أصل 1.5 تريليون دولار أنفقتها الدول الأعضاء في الناتو على الدفاع، العام الماضي، ذهب خُمسا هذا الرقم إلى رواتب الجنود ومعاشاتهم التقاعدية، وتم إنفاق نحو الثلث على صيانة المعدات العسكرية، والمبلغ نفسه تقريباً على الأسلحة والمعدات الجديدة.

والنتيجة أن الفتات يذهب إلى البحث والتطوير للمعدات العسكرية، ما يشكل خطر تقادم الجيوش الأوروبية.
في عام 2023 أنفقت الولايات المتحدة نحو 15 في المئة من ميزانيتها العسكرية البالغة 916 مليار دولار على البحث والتطوير والابتكار، مقارنةً بـ4 في المئة فقط على البند نفسه في ميزانيات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.في عام 2023 بلغت نسبة الـ4 في المئة التي أنفقها الأوروبيون على البحث والتطوير 11 مليار يورو فقط، أي أقل من عُشر الإنفاق الأميركي على البند نفسه.ويقدر محللو مركز أبحاث بروغل أن الكتلة الأوروبية ستحتاج إلى إضافة 1400 دبابة و2000 مركبة مشاة قتالية و700 مدفع هاوتزر و300 ألف جندي من أجل ردع فعّال لروسيا، في ظل غياب أميركا.هذه القوة القتالية المطلوبة بشكل عاجل تفوق ما تمتلكه القوات الفرنسية والألمانية والبريطانية والإيطالية مجتمعة.لا عجب إذاً أن جميع الدول الأعضاء تقريباً أنفقت العام الماضي ما لا يقل عن 20 في المئة من المبلغ الذي أوصى به حلف شمال الأطلسي (الناتو) للإنفاق على المعدات الجديدة، وهي زيادة كبيرة عما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمان.بعض الدول، مثل بولندا المجاورة لروسيا، أنفقت 50 في المئة من المبلغ الموصى به.

الحرب تغيرت

نتج ثلثا الدمار الذي لحق بالدبابات والمركبات والمعدات الروسية الأخرى العام الماضي، وفقاً لمحلل المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جاك واتلينغ، عن هجمات طائرات أوكرانية بدون طيار.وتتراوح قيمة هذه الطائرات بين 100 ألف دولار لطائرة يمكنها قطع مسافة 100 كيلومتر، ونماذج أقصر مدى بكثير بتكلفة لا تتجاوز 500 دولار.وأدى تحسين دقة مدفعية سيزار الفرنسية باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى خفض العدد المطلوب من القذائف بنسبة 30 في المئة، وفقاً للجيش الأوكراني.نستنتج من ذلك أنه ليس بالضرورة أن تكون تكاليف المعدات العسكرية ضخمة كما كانت في الماضي، كما سينخفض الاحتياج إلى الأفراد أيضاً إذا تزايد الاعتماد على الطائرات بدون طيار.وهذا أمر بالغ الأهمية لأن المعدات المصنوعة في أوروبا باهظة الثمن نسبياً.تبلغ تكلفة دبابة القتال الألمانية ليوبارد 2A8 من الجيل الثالث 29 مليون يورو، بينما دبابة T-90، المنافسة الروسية، لا يتجاوز سعرها 4 ملايين يورو، ويبلغ سعر مدفع الهاوتزر الألماني Panzerhaubitze 2000، 17 مليون يورو، بينما يبلغ سعر مدفع 2S19 Msta-S الروسي أقل من مليوني يورو.تتفوق روسيا نتيجة الاعتماد على إنتاجية وعمالة منخفضتي التكلفة، بينما تعاني صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي من صغر الحجم والتشرذم بين العديد من الدول.إن شراء 1400 دبابة و700 مدفع هاوتزر، وهو القدر المطلوب لاستبدال القوات الأميركية، سيكلف الاتحاد الأوروبي أكثر من 50 مليار يورو بالأسعار الألمانية، وهذا يمثل بالفعل 20 في المئة من 250 مليار يورو التي يعتقد محللو بروغل أن الكتلة سيتعين عليها حشدها لزيادة إنفاقها الدفاعي السنوي من 2 في المئة إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.ولا شك أن أوروبا ستكون غير حكيمة إذا ما استثمرت كل طاقتها في الطائرات بدون طيار، لأن معظم الطائرات المسيرة لا تحقق أهدافها، كما أن رخص سعر الطائرات المسيرة الأوكرانية يرجع إلى سلاسل التوريد الصينية، وهذا قد يُشكل خطراً آخر على الاستقلال العسكري لأوروبا، والأهم من ذلك كله أن الحكومة البريطانية كشفت مؤخراً عن سلاح «موجات راديو» جديد قادر على إسقاط أسراب من الطائرات المسيرة، وهذا المثال بالذات يؤكد الفوائد الأوسع نطاقاً للبقاء في صدارة الابتكار.وتعهدت بريطانيا مؤخراً بإنفاق ما لا يقل عن 10 في المئة من ميزانية معداتها الدفاعية على التقنيات الحديثة.ولا بد أيضاً أن يتم تغيير عملية إدارة المشتريات العسكرية، من عملية تعاقدية بطيئة ومتعددة السنوات، ولا تُنتج سوى عدد قليل نسبياً من آلات الحرب باهظة الثمن، إلى تصميم أنواع جديدة من المُعدات، اعتماداً على ابتكارات الشركات الناشئة.