هل تنتظر أم تستثمر وتشتري وتصرف؟ توقيت الشراء في فترات الترقب الاقتصادي

هل تنتظر أم تستثمر وتشتري وتصرف؟ توقيت الشراء في فترات الترقب الاقتصادي

في أوقات التغييرات الاقتصادية الكبرى، يقف المستثمر وصاحب القرار أمام سؤال مركزي: هل أستثمر الآن، أم أنتظر حتى تتضح الصورة؟هذا السؤال بات حاضراً بقوة في السوق السعودية مؤخراً، في ظل الترقب لتشريعات عقارية جديدة قد تُحدث تغييرات هيكلية في القطاع، إلى جانب تطورات سياسية واقتصادية عالمية، من أبرزها احتمالات تأثير سياسات اقتصادية دولية مثل تلك المرتبطة بعودة محتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى المشهد، وتأثيرها على الأسواق العالمية والناشئة.

في هذا السياق، من المهم أن نفهم مفهوم مخاطر السوق، وكيف تؤثر على سلوك المستثمرين، ولماذا يُعد الاستثمار طويل المدى خياراً استراتيجياً في مثل هذه المراحل.
ما هي مخاطر السوق؟مخاطر السوق (Market Risk) تشير إلى التقلبات التي تصيب قيمة الاستثمارات نتيجة لعوامل خارجية، لا يمكن التحكم بها، مثل:      التغيرات التنظيمية: تعديل القوانين أو اللوائح التي تؤثر على النشاط الاستثماري.      القرارات الحكومية المفاجئة: إجراءات مفاجئة قد تغيّر التوازن في قطاعات اقتصادية حساسة.      السياسات النقدية وأسعار الفائدة: تؤثر مباشرة على تكلفة التمويل والسيولة المتوفرة.      الأزمات الجيوسياسية العالمية: اضطرابات دولية تربك الأسواق وتؤثر على ثقة المستثمرين.هذه العوامل تفرض حالة من الحذر والترقب، وتؤدي غالباً إلى تجميد الأنشطة الاستثمارية، خصوصاً عند غياب وضوح التوجه المستقبلي.لماذا يتباطأ الصرف في ظل المخاطر؟خلال فترات الضبابية، يتجنب كثير من الأفراد والشركات اتخاذ قرارات مالية كبيرة، مثل شراء العقارات أو إطلاق مشاريع جديدة أو حتى الإنفاق الرأسمالي، وغالباً ما يكون التبرير هو: “ننتظر حتى تتضح الرؤية”.هذا التريث، رغم أنه يبدو منطقياً، قد يمتد لأشهر أو حتى سنوات، وتُفقد خلاله فرص استراتيجية كان يمكن استغلالها في وقت مبكر قبل أن تعود المنافسة وتشتد التكاليف.الاستثمار متوسط الأجل.. المخاطرة الأكبروتزداد هذه الإشكالية مع الاستثمارات متوسطة الأجل، التي تمتد من سنة إلى ثلاث سنوات، حيث تُعد هذه الفترة الأكثر هشاشة في مواجهة تقلبات السوق، فهي تقع ضمن نطاق زمني ترتفع فيه احتمالية وقوع أحداث مفاجئة، بينما لا تمنح السوق الوقت الكافي لاستيعابها أو التعافي منها.خلال هذه المرحلة، تصبح احتمالات النجاح أو التعرض لمخاطر السوق متقاربة — أي 50/50، والنتيجة؟ حتى الاستثمارات الجيدة من حيث الأساس قد تتأثر سلباً، وتتآكل عوائدها الكلية، لأنها لم تُمنح الوقت الكافي لامتصاص أثر الصدمات أو الاستفادة من التعافي.الاستثمار طويل الأجل.. خيار يتجاوز الضبابيةعلى العكس، فإن الاستثمار طويل الأجل (خمس سنوات أو أكثر) يمنح السوق وقتاً كافياً للتعافي من أي صدمات. وغالباً ما تتجاوز هذه الاستثمارات التقلبات المؤقتة وتستفيد من دورات التوسع والنمو الاقتصادي، بما في ذلك:      تحسن ثقة المستثمرين: الثقة تزداد بمرور الوقت مع ثبات الأداء ووضوح الاتجاهات.      استقرار التشريعات: السياسات تصبح أكثر وضوحاً واستقراراً مع الوقت، ما يقلل من المفاجآت.      استيعاب السوق للتغيرات: السوق يتأقلم تدريجياً مع المتغيرات الجديدة ويعيد تشكيل توازنه.التركيز على الأفق الطويل يساعد المستثمر على التمييز بين الضجيج المؤقت واتجاه السوق الحقيقي.خلاصة: الاستثمار طويل المدى هو القرار الأذكى في وجه العواصفمخاطر السوق جزء طبيعي من أي بيئة استثمارية، ولا يمكن تجنبها بالكامل، لكنها قابلة للإدارة والتجاوز حين تُواجه بفهم وهدوء. والمستثمر الذكي لا يكتفي بالبحث عن توقيت الدخول المثالي، بل يبني قراره على أهداف واضحة، وأفق زمني ممتد قادر على استيعاب التقلبات، وفي كل دورة من دورات السوق، هناك من يتردد وينتظر، وهناك من يتحرك بثقة ضمن خطة طويلة المدى، وتُجمع التجارب والأسواق حول العالم على حقيقة واحدة: مَن يختار الاستثمار طويل الأجل لا يصمد فقط أمام العواصف، بل يخرج منها رابحاً، بينما ينشغل الآخرون بانتظار “الوضوح الكامل” الذي لا يأتي.تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.