المراجعة الخامسة مع صندوق النقد.. مصر تؤكد التزامها بالإصلاحات

استضافت مصر اجتماعاً مشتركاً اليوم الأحد، جمع وزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب ووزير المالية أحمد كوجك المصريين مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة إيفانا فلادكوفا هولار، وذلك في مقر وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية بالعاصمة الإدارية.جاء اللقاء ضمن سلسلة اجتماعات دورية لمتابعة تقدم مصر في تنفيذ التزاماتها الإصلاحية، وسط إشارات دولية متفائلة بتحسن نسبي في الأداء الاقتصادي.
هذا الاجتماع يأتي بعد أشهر من توقيع مصر مراجعة جديدة ضمن اتفاقها مع صندوق النقد بقيمة 8 مليارات دولار، الذي يشترط إصلاحات هيكلية ومالية واضحة، أبرزها خفض دور الدولة في الاقتصاد، وتسهيل مناخ الأعمال، وتعزيز الشفافية.عرض وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، المهندس حسن الخطيب، أمام البعثة ملامح التحولات الجارية على صعيد الإصلاح غير الضريبي، مشيراً إلى خطوات لتقليل الأعباء الإدارية المفروضة على المستثمرين وتبسيط الإجراءات، مع تقليص عدد الجهات الحكومية التي يتعامل معها المستثمر.
وكشف الوزير عن منصة إلكترونية جديدة لتوحيد إصدار التراخيص، بالتوازي مع العمل على «نافذة رقمية موحدة» أكثر تقدماً، تهدف إلى تسهيل بيئة ممارسة الأعمال.وفي خطوة تعكس التزام الدولة بالتحول المؤسسي، أوضح الخطيب أن مبادرة «بيئة الأعمال الجاهزة» (Business Ready) تركّز على ثلاث ركائز أساسية وهي: الإصلاح التشريعي، وإعادة هيكلة الإجراءات، والتحول الرقمي، بدعم من خبراء محليين ودوليين. كما لفت إلى إنشاء وحدة مستقلة لتنسيق تخارج الدولة من الأنشطة الاقتصادية، وأخرى معنية بتحديث حوكمة شركات القطاع العام استعداداً للطرح.من جانبه، أكد وزير المالية أحمد كوجك أن الحكومة تعمل على ضمان وجود إطار تشريعي متكامل يدعم استدامة الإصلاحات الجارية، مشدداً على أن تسريع إصدار القوانين الخاصة بتوحيد الرسوم وتسهيل التراخيص سيكون له أثر مباشر على جذب الاستثمارات وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.أشار كوجك إلى التنسيق الوثيق بين وزارة المالية والجهات التشريعية لتسريع إصدار القوانين اللازمة، في وقتٍ تسعى فيه الحكومة لتحقيق نمو اقتصادي متوسط وطويل الأجل، مدعوم بإصلاحات مؤسسية وتشريعية ورقمية متكاملة.وخلال الاجتماع، أثنت رئيسة بعثة الصندوق، إيفانا فلادكوفا هولار، على التحسن الأخير في مؤشرات الاقتصاد المصري، بما في ذلك انخفاض التضخم وتحسن النمو، معتبرة أن هذه النتائج تعكس نوعاً من الاستقرار النسبي رغم التحديات المؤقتة. لكنها شددت على ضرورة المضي قدماً في الإصلاحات، دون التراجع عن المكتسبات المحققة.واختُتم الاجتماع بتأكيد مشترك من الحكومة والصندوق على استمرار التعاون الوثيق لتحقيق أهداف برنامج الإصلاح، بما يشمل تحسين بيئة الاستثمار ودعم النمو المستدام، في لحظة اقتصادية دقيقة تسعى فيها مصر لإعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار مالي وهيكلي شامل.
مسار طويل من التقييمات والإصلاحات
تأتي زيارة بعثة صندوق النقد الدولي الأخيرة إلى القاهرة، التي شهدت اجتماعاً موسعاً مع وزيري الاستثمار والمالية، في سياق مراجعة خامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المبرم مع مصر منذ أواخر عام 2022، ضمن اتفاق تسهيل الصندوق الممدد بقيمة إجمالية بلغت 8 مليارات دولار، بعد زيادات لاحقة ضاعفت التمويل عن حجمه الأصلي (3 مليارات دولار).يمثّل البرنامج، الذي يمتد لـ46 شهراً، حجر الأساس في محاولة مصر لاحتواء أزمة نقص النقد الأجنبي والتضخم الحاد الذي لامس 38% في سبتمبر أيلول 2023. وقد مرّت القاهرة بمراحل مراجعة متتالية منذ التوقيع، لكن بتفاوت زمني واضح.. فالمراجعتان الأولى والثانية تم دمجهما في مارس آذار 2024 بعد تأخر فاق العام، في حين استكملت المراجعة الثالثة في يوليو تموز من العام نفسه، تلتها رابعة في مارس آذار 2025، وصُرفت معها أكبر دفعة تمويل حتى الآن (1.2 مليار دولار).وحتى الآن، لم تحصل مصر فعلياً سوى على نحو 3.2 مليار دولار من أصل التمويل الكلي.تركّز المراجعة الخامسة الحالية على تقييم التقدم في ملف تحرير سعر الصرف، ومرونة السياسة النقدية، وتقليص دور الدولة لصالح القطاع الخاص، وهي شروط أساسية لاستمرار البرنامج وصرف الشريحة التالية. ويُلاحظ أن صندوق النقد كان قد وافق على طلب مصر بخفض مستهدف الفائض الأولي للعام المالي القادم من 4 في المئة إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي، في خطوة تعكس نوعاً من المرونة تجاه الأوضاع الاجتماعية والمالية الداخلية.كما وافق الصندوق في مارس آذار 2025 على تمويل إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار ضمن «صندوق المرونة والاستدامة»، ليدخل ملف التحول الأخضر ضمن أجندة التعاون الثنائي، إلى جانب الملفات المالية والهيكلية التقليدية.إجمالاً، يستمر البرنامج حتى عام 2026، وتبقى الشرائح المستقبلية مرهونة بوتيرة الإصلاحات الفعلية. ومع تصاعد الضغوط الاجتماعية، وارتفاع الدين العام، وضعف الاستثمار الأجنبي، يبقى التحدي الأبرز هو قدرة الحكومة على مواصلة زخم الإصلاح دون التراجع عن المكاسب المُحققة حتى الآن.