من أزمة الحبوب 2022 إلى قمة 2025.. كيفية إعادة تركيا تنظيم تحديات الغذاء والطاقة

في إسطنبول، المدينة التي تربط بين قارتي آسيا وأوروبا، تتجه الأنظار إلى احتمال فتح صفحة جديدة من الصراع الأوكراني-الروسي، الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على موعد مع قمة مرتقبة منتصف مايو أيار الجاري 2025، بعد أن اقترح بوتين إجراء محادثات سلام في تركيا.
إسطنبول.. ذاكرة اتفاق الحبوب تعود
ليس من قبيل الصدفة أن تكون إسطنبول مسرحاً لهذا الحوار، ففي يوليو تموز 2022، شهدت المدينة اتفاقاً محورياً بوساطة تركيا والأمم المتحدة، حين وقّعت أوكرانيا وروسيا اتفاقاً لإعادة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.
وحسب أرقام الاتحاد الأوروبي، حصلت الدول النامية على نحو 65 في المئة من شحنات القمح المُصدرة في إطار المبادرة آنذاك، ما خفّض الأسعار عالمياً وضمن إمدادات للأسر الفقيرة في إفريقيا وآسيا، وهذا يعني انخفاض فاتورة الاستيراد الغذائي للدول المستوردة، ويخفف التضخم الغذائي خاصة في الدول النامية.فتراجع الأسعار سينعكس إيجابياً على المستهلكين والأفقر ضمنهم، وفي المقابل، قد تستقر أسواق الطاقة بشكل نسبي؛ فالتهدئة تخفض مخاطر انقطاع الإمدادات، ما يمهد لانخفاض تدريجي في أسعار النفط والغاز العالمية.تعود اليوم تركيا لتلعب دور الوسيط المنفتح، فقد أعلن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لاستضافة محادثات السلام، مؤكداً أن «نافذة الفرصة قد فُتحت» لتحقيق سلام شامل، وأن وقف إطلاق نار كامل سيهيئ المناخ اللازم للحوار.وتعكس هذه المبادرة ثقة متجددة في دور تركيا بعد نجاح صفقة الحبوب السابقة؛ فالأنظار تترقب إسطنبول باعتبارها ذات المدينة التي شهدت اتفاق عام 2022 الهادف إلى مواجهة أزمة الغذاء العالمية.
مكاسب غذائية من احتمالات السلام
يشير الخبراء إلى أن أي اتفاق سلام قد يحرك دفعة اقتصادية واسعة، ففي حال نجاح المحادثات ووقف الحرب، سيُستأنف تدفق كميات كبيرة من الحبوب والأسمدة من أوكرانيا، ما يضغط على الأسعار العالمية للأغذية.فمثلاً، إعادة فتح الموانئ الأوكرانية قد تسمح بتدفق كميات ضخمة من الحبوب والأسمدة إلى الأسواق العالمية ستدفع مليارات الأطنان نحو الأسواق العالمية، ما يضغط على أسعار القمح والزيوت والأسمدة، خلال فترة تطبيق مبادرة الحبوب (2022–2023)، صدّرت أوكرانيا نحو 33 مليون طن من الحبوب عبر البحر الأسود قبل انسحاب روسيا في يوليو تموز 2023.
تهدئة سياسية لأسواق الطاقة والاقتصادات الناشئة
كما ستستقر أسواق الطاقة، إذ إن تخفيف التوترات الجيوسياسية يخفف من «علاوة المخاطر»، وقد يدفع بأسعار النفط والغاز نحو مستويات أدنى.وذلك لأن الأزمة رفعت أسعار النفط والغاز فوق مستويات ما قبل الحرب، إذ وصل خام برنت في 2022 إلى 130 دولار للبرميل ثم استقر لاحقاً قرب 80–90 دولار.قد تدفع التهدئة أسعار النفط للانخفاض بنحو 10–15 في المئة إضافية خلال الربع التالي للاتفاق، أي نحو 7–12 دولارًا للبرميل، وفق توقعات يو بي أس UBS.كما أن استقرار الغاز الروسي نحو أوروبا قد يخفض الأسعار بنسبة تصل إلى 20 في المئة مقارنةً بالمستويات الحالية، ما ينعكس مباشرة على فواتير الأسر في أوروبا وآسيا.ومع كل ذلك، ستنتعش الاقتصادات الناشئة، خاصة في آسيا وإفريقيا، إذ تؤدي وفرة الموارد وخفض الأسعار إلى تباطؤ تضخم الغذاء والطاقة وتحسين النمو الاقتصادي.في النهاية، سيعكس مؤشر أسعار الغذاء وأسواق الطاقة مدى نجاح هذه المبادرات، فاللقاء في إسطنبول يحمل وعداً بإعادة ضخ الأمل إلى الأسواق العالمية من خلال انفراجة ترفع ضغوط المعيشة عن ملايين الفقراء. وإذا تمكنت الوساطة التركية من تحقيق اتفاق سلام، فسيبقى في الأفق بوادر تهدئة حقيقية لأزمة الأوكرانيين، واستقرار أفضل للمستهلكين حول العالم، هكذا، قد تُكتب لإسطنبول صفحة جديدة كمدينة تحوّلت من ممر تجاري إلى منصة سلام يعبر منها الأمن الغذائي العالمي.