«استراتيجية الصفقة».. كيف نجح ترامب في التفاوض مع الصين لتحقيق أهدافه؟

هدد نهج الرئيس دونالد ترامب، القائم على الصدمة والرعب، بتمزيق النظام المالي العالمي ودفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود، ولكن مع تزايد الخوف من احتمال إفراغ رفوف المتاجر وعودة التضخم إلى مستويات مرتفعة، أرسل ترامب مفاوضيه المتزنين والمحترفين إلى جنيف لتحقيق الانتصار.
يُمثل قرار كلٍ من الولايات المتحدة والصين بخفض التعريفات الجمركية الباهظة بنسبة 115 نقطة مئوية في ختام يومين من المحادثات، التطور الأهم في نهج سياسي اتسم بالتطرف والفوضى على حد سواء بعد أن أدّى الحظر التجاري الفعلي بين أكبر اقتصادين في العالم إلى ضغوط اقتصادية محلية وعالمية، وكان العالم على شفا كارثة.
وقبل الانهيار الوشيك نجحت استراتيجية ترامب في الحفاظ على رسوم جمركية مرتفعة نسبياً، وفي الوقت نفسه تحفيز الشركاء التجاريين على تقديم عروض جديدة على مائدة التفاوض.
إرسال الجادين
أرسل ترامب وزير الخزانة سكوت بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، كمفاوضين رئيسيين، وكلاهما يُنظر إليه على أنه شخص جاد وعاقل ومتمكن من إدارة ملفه، وإلى جانب الصين حظيت الجهود الجارية لتأمين صفقات مع ما يقرب من عشرين دولة أخرى بدفعة قوية الأسبوع الماضي، كان أولها اتفاقية محدودة النطاق مع المملكة المتحدة.هذا التطور المتسارع هو ما أراده ترامب وفقاً لعدد من الدبلوماسيين الأجانب المشاركين في المحادثات الثنائية.يرى مستشارو ترامب أن المفاوضين، ومعايير التفاوض، والنهج الجاد الواضح من الإدارة الأميركية ستكون السمة الرئيسية لمسار الأشهر الثلاثة المقبلة، ومن المتوقع أن تنجح بدرجة ملموسة.قال أحد مستشاري ترامب لشبكة CNN: «الوضع الحالي أفضل بكثير من البديل الذي كنا نفكر فيه»، وقال سيناتور جمهوري لشبكة CNN «الآن نرى الطريق لعقد الصفقات دون وقوع كارثة اقتصادية، هذا أفضل بكثير من الوضع قبل الاتفاق مع الصين».ويصرّ مستشارو ترامب، على عكس العديد من الحقائق والأدلة، على أن خارطة طريق استراتيجية عميقة هي التي تحكمت في الفوضى التجارية التي أطلقها ترامب في الثاني من أبريل الماضي.ويحرص بيسنت في جلساته الخاصة على مناقشة نظرية اللعبة التي يراها المحرك الرئيسي لأفكار ترامب، ويُشير إلى قيمة «عدم اليقين الاستراتيجي» الذي خلقه رئيسه.ونظرية اللعبة أو المباراة هي وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لكيفية تحقيق أفضل صفقة مُمكنة رغم تضارب المصالح.وتلعب عوامل مثل الشك وعدم اليقين ونقص المعلومات أدواراً رئيسية في اللعبة. درس فريق ترامب في مناقشات داخلية خاصة خيارات «الصفقة» أو «اللعبة» ومنها نهايات أكثر دراماتيكية قريبة من حافة الهاوية، لكن انهيار سوق السندات، وتباطؤ سلاسل التوريد، والتحذيرات المتصاعدة من المسؤولين التنفيذيين في الصناعات الرئيسية، كانت عواملَ مُسرّعة حاسمة أحرجت ترامب وفريقه وسرعت من وتيرة المفاوضات.لكن لا يمكن إنكار أن المفاوضات السريعة خلقت واقعاً جديداً يخدم وجهة نظر ترامب.في النهاية نجحت إدارة ترامب في تثبيت تعريفات جمركية بمعدل عالمي قدره 10 في المئة على دول العالم كافة، وتعريفات قطاعية أخرى.هذا الواقع الجديد لم يُمسّ ولم يُناقش من الأساس، مع ذلك لا يزال الشركاء التجاريون يصطفون للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.هكذا أكد فريق ترامب أن استراتيجية الصدمة والرعب لتحقيق «نصر» لا تزال فعّالة.
التجارة أداة
بالنسبة لترامب التجارة هي ركيزة كل شيء وأداة يستخدمها لتحقيق أهداف أخرى، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، حيث صرّح الرئيس للصحفيين بأن الاتفاق السريع يرجع إلى وعوده بزيادة سريعة في تدفقات التجارة إلى كلا البلدين.وربما تمت التهدئة الدراماتيكية في الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين بسبب مسألة لا علاقة لها بالواقع الاقتصادي إطلاقاً.قال ترامب للصحفيين صباح الاثنين «لم يستخدم الناس التجارة أبداً كما أستخدمها أنا».ربما كان الرئيس الأميركي على حق.