الذكاء الاصطناعي تخطى حدود الفصول الدراسية.. فما سبب تمسك الجامعات بأسلوب المحاضرات التقليدي؟

أعلنت دولة الإمارات مؤخراً دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية العامة من الروضة حتى الصف الثاني عشر، لتصبح واحدة من أولى الدول في العالم مثل الصين وأميركا التي تتخذ هذه الخطوة الجريئة والرسالة واضحة: المستقبل لمَن يُتقن الذكاء الاصطناعي.. لكن الحقيقة المُحرجة هي أن معظم الجامعات ليست مستعدة لهذا المستقبل، فالأمر لم يعد مجرد فجوة في السياسات التعليمية بل أزمة وجودية حقيقية.
وأفاد مدير الجامعة الأميركية في الشارقة الدكتور تود لارسون لـCNN الاقتصادية: «الطلبة متقدمون علينا حقاً فهم لا يبحثون عن مهارات تقنية فقط، بل عن معنى وهدف، وعن مؤسسات تعكس العالم الذي هم على وشك قيادته».
ففي الوقت الذي سيصبح فيه أطفال المدارس متمكنين من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، لا تزال قاعات الجامعات تعاني مناهج متهالكة، وأساتذة مرهقين، ونماذج تدريس لا تراعي الفروق الفردية. واليوم مع إتاحة المعرفة للجميع وبطريقة اكثر تفاعلية وخاصية وأحياناً مجانية، باتت الرسالة واضحة ومفادها أن الجيل القادم لن ينتظر الجامعات حتى تواكب الركب.. «فإذا لم نتطور سنصبح بلا قيمة» على حد قوله.
إدماج الذكاء الاصطناعي.. هل تأخرنا كثيراً؟
«نحن بحاجة إلى طرق جديدة لتفاعل أعضاء الهيئة التدريسية مع الطلاب»، قال لارسون مسترجعا تجربته كأستاذ هندسة قبل أن يصبح قيادياً جامعياً، مشيراً إلى أن التعليم التقليدي القائم على نموذج واحد يناسب الجميع لم يعد مجدياً مع تنوع احتياجات الطلبة اليوم«الذكاء الاصطناعي يمنحنا أدوات رائعة لتخصيص التجربة التعليمية»، وأضاف أن العديد من هذه الأدوات باتت متاحة فعلاً، لكن المشكلة تكمن في أن كثيراً من الطلاب يتفوقون على أساتذتهم في إتقان التكنولوجيا، ما يستدعي تطوير مهارات الكادر الأكاديمي بشكل عاجل.
قوة الإرشاد البشري
رغم تصاعد دور الذكاء الاصطناعي، شدد مدير الجامعة على أن الطلاب لا يزالون بحاجة إلى المؤسسات الجامعية، خصوصاً في المراحل التكوينية من حياتهم «فنحن لم نخترع بعد بديلاً للنوع الاجتماعي والأخلاقي من النضج الذي يحدث داخل الحرم الجامعي».ووفقاً لما رصده خلال سنوات طويلة في التعليم، فإن «80 في المئة مما يتعلمه الطلاب لا يحدث داخل القاعة الدراسية، بل خارجها من خلال التفاعل مع الأقران، والملاحظة، والتجربة.. هذه العوامل تُشكّل العادات الأساسية: التفكير الأخلاقي، الحوار المحترم، والتفكير النقدي؟».
نحو نموذج تعليمي جديد
وأفاد لارسون بأن التحرك الأخير من دولة الإمارات نحو دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الوطنية خطوة جريئة لكنها تحتاج إلى إدارة ذكية.. «فإذا تجاهلنا الذكاء الاصطناعي، سيتعلمه الطلاب بطريقة غير موجهة. وذلك خطر خصوصاً في مسائل مثل الخصوصية، الأخلاقيات، والعدالة».ودعا لارسون إلى مزيدٍ من التعاون بين القطاعين العام والخاص: «لا يمكننا مواجهة هذا التحدي فرادى. يجب أن تصبح مراكز التعليم والتعلم في الجامعات مختبرات للتجارب ومشاركة المعرفة. وبالرغم من أن السياسات العامة لا تزال قيد التشكل، فإن الجامعات ومنها AUS الجامعة الأميركية في الشارقة بدأت فعلاً بالتكيّف».وأفاد بأن هناك استثمارات في أدوات تقنية موجهة مباشرة للطلاب، وأخرى تعمل خلف الكواليس مثل تحسين آليات القبول، التنبؤ بنجاح الطلبة، وإعادة تصميم الدعم المالي ليصل إلى من هم أكثر حاجة «لسنا فقط نردّ على الواقع نحن نُجرب المستقبل مستندين إلى بيانات من 25 عاماً لنسأل: ماذا لو غيرنا هذا القرار؟ كيف ستكون النتيجة؟»وأكد لارسون بالإيجاب رداً على سؤال في ما لو ستظل الجامعات أماكن للإلهام؟ «إذا خدمنا الطلاب جيداً وتقبلنا التغيير. التعليم هو ما يبقينا شباباً، وهناك دائماً تحدٍ جديد في الأفق».واليوم لم يعد السؤال الحقيقي كيف نُدرّس الذكاء الاصطناعي بل فيما تملك الجامعات من الشجاعة لإعادة اختراع ذاتها؟