الاحتياطي الفيدرالي أمام تحديات كبيرة بسبب رسوم ترامب الجمركية

الاحتياطي الفيدرالي أمام تحديات كبيرة بسبب رسوم ترامب الجمركية

يشهد صناع السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حالة من الحذر الشديد في اتخاذ قرارات تغيير أسعار الفائدة، في ظل التوترات الاقتصادية الناجمة عن السياسة التجارية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب، وتنبأ العديد من المسؤولين بأن الرسوم الجمركية الجديدة ستؤدي إلى زيادة التضخم، ما يعقد الخيارات أمام البنك المركزي، الذي قد يواجه ضرورة اختيار بين استقرار التضخم وتجنب الركود الاقتصادي.وأشاروا إلى أنهم لن يُسارعوا إلى إنقاذ الوضع بخفض أسعار الفائدة، إذ يتوقعون أن تُؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى ارتفاع التضخم.
«محفوف بالمخاطر» هي الكلمة التي استخدمها كلٌّ من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، ألبرتو موسالم، ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، لوصف التعامل مع ارتفاع الأسعار الناجم عن الرسوم الجمركية.ويُعد موسالم وكاشكاري أحدث صانعي سياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي يُعربون عن مخاوفهم من أن الزيادات المتوقعة في الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية المُعلنة، إلى جانب إجراءات انتقامية من دول أخرى، قد تُترجم إلى تضخم أكثر استمرارية، ما يتطلب تشديد السياسة النقدية.

في الوقت نفسه، يخشون من أن يؤدي تباطؤ النمو إلى ارتفاع معدلات البطالة، وهو وضعٌ كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيُحاول مواجهته بشروط نقدية أكثر مرونة.

هدف واحد على حساب الآخر

قد يُجبر هذا السيناريو الفيدرالي على اختيار هدفٍ مُحدد على حساب الآخر، وهي نقطةٌ سلّط عليها صانعو السياسات، بمن فيهم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الضوء في تصريحاتهم الأخيرة، وخاصةً منذ أن كشف ترامب في الثاني من أبريل عن رسومٍ جمركيةٍ تفوق بكثير توقعات المستثمرين ومسؤولي الاحتياطي الفيدرالي.

القلق يخيم على الصناع السياسات

أظهر محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي، الذي عُقد يومي 18 و19 مارس آذار الماضي، أن صانعي السياسات كانوا قلقين حتى في ذلك الوقت بشأن «التنازلات الصعبة» التي قد يواجهونها إذا استمر التضخم مع تباطؤ النمو.يقول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، توماس باركين: «إذا كنت تقود سيارتك في ضباب كثيف، فهناك أمران لا ترغب في القيام بهما، الأول هو الضغط على دواسة الوقود لأنك لا تعرف من أمامك، والثاني هو الضغط على الفرامل لأنك لا تعرف من خلفك».وبعد أن منح ترامب إعفاءً مؤقتاً من الرسوم الجمركية لمعظم الدول، ارتفعت الأسهم الأميركية وتراجعت الأسواق المالية على خلفية رهانات سابقة على تخفيضات حادة لأسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي.كما قال باركين ومسؤولون آخرون في الاحتياطي الفيدرالي، فإن اتجاه سياسات الإدارة الجديدة واضح، حتى وإن لم يكن الهدف النهائي كذلك. وبينما يضع صانعو السياسات خياراتهم، لا يرون مساراً واضحاً لتحقيق «هبوط ناعم» حيث يتباطأ التضخم دون ركود اقتصادي مؤلم أو ارتفاع حاد في البطالة، وكان هذا السيناريو قد بدا العام الماضي في متناول اليد.

نمو إلى ما دون المعدل الطبيعي

مع تكيف الشركات والأسر مع الأسعار المرتفعة نتيجة الرسوم الجمركية الجديدة، من المرجح أن ينخفض النمو الاقتصادي «بشكل كبير» إلى ما دون المعدل الطبيعي، وأن يرتفع معدل البطالة خلال العام، وفقاً لما قاله موسالم في مقابلة مع رويترز. وأضاف: «ليس لدي توقع أساسي بحدوث ركود»، لكنه أشار إلى أن «النمو على الأرجح سيكون أقل بكثير من المعدل الطبيعي»، الذي قدره بنحو 2 بالمئة. وأوضح أن «المخاطر تتجلى على كلا الجانبين»، مع فرض رسوم جمركية أعلى من المتوقع ما يزيد الضغط على الأسعار، بجانب تراجع الثقة وانخفاض ثروة الأسر بسبب الهبوط الحاد الأخير في أسواق الأسهم، ما قد يقلل من الإنفاق ويؤدي إلى تباطؤ النمو.وأوضح موسالم أن استجابة السياسة النقدية ستعتمد على كيفية تطور التضخم والبطالة في الأشهر المقبلة، وما إذا كانت صدمة الأسعار تبدو مستدامة، وما إذا كانت توقعات التضخم متوافقة مع هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة. من جهته، قال كاشكاري إن «العقبة أمام تغيير معدل الفائدة الفيدرالية، سواء بالرفع أو الخفض، أصبحت أكبر بسبب الرسوم الجمركية».وأكد أنه نظراً لأهمية عدم ترسيخ توقعات بارتفاع مستمر للأسعار في أذهان الأميركيين، فإن «معيار خفض الفائدة حتى في ظل ضعف الاقتصاد وارتفاع محتمل للبطالة أصبح أعلى». ومع ذلك، نظراً للتراجع المحتمل في الاستثمار بسبب الرسوم الجمركية، أشار إلى أن «السياسة أصبحت أكثر تشدداً بشكل ما من تلقاء نفسها، ما يقلل الحاجة الفورية لرفع معدل الفائدة للحفاظ على استقرار توقعات التضخم طويلة الأجل».يُذكر أن معدل الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي يتراوح بين 4.25 بالمئة و4.5 بالمئة منذ ديسمبر كانون الأول الماضي، وحتى إعلان ترامب المفاجئ يوم الأربعاء، كانت الأسواق تراهن بشدة على أن البنك المركزي سيرد على الرسوم الجمركية بسلسلة من تخفيضات الفائدة تبدأ الشهر المقبل.(رويترز)