حروب ترامب التجارية تدفع مصدّري النفط للتحوط

في الوقت الذي يُعدّ فيه انخفاض أسعار النفط المتتالي خبراً سعيداً للعديد من دول العالم وعلى رأسها أميركا، فإنه خبر سيئ للدول المُصدّرة للنفط في العالم، وهو ما دفع بعضها إلى التحوط سريعاً جرّاء هذا التراجع، فيما كان البعض الآخر في مأمنٍ بسبب سياسات تنويع الاقتصاد التي بدأها منذ سنوات.
وخفّضت بنوك الاستثمار العالمية توقعاتها لسعر برميل خام برنت، إذ ذهب السيناريو الأكثر تشدداً لبنك غولدمان ساكس إلى أن السعر سيتراجع دون 40 دولاراً للبرميل مع اشتعال الحرب التجارية وزيادة الإمدادات.
وفي حين تفترض وكالة موديز أن يبلغ السعر 75 دولاراً هذا العام، أما وكالتي ستاندرد آند بورز وفيتش بسعر فتفترض أن يبلغ 70 دولاراً.ويقول فرانشيسكو دي سالفو، مدير تسعير النفط الخام والوقود في ستاندرد آند بورز غلوبال كوميدتي لـCNN الاقتصادية، إن استجابة الأسعار الصريحة لتصاعد الرسوم الجمركية والمخاوف من حدوث ركود قد يضعف توقعات الطلب على النفط، فضلاً عن التوقعات بزيادة المعروض إذ تخطط أوبك لزيادة الإنتاج بأكثر من 400 ألف برميل يومياً في مايو أيار إلى جانب ارتفاع مخزونات النفط الخام الأميركي لأعلى مستوى منذ يوليو 2024.وتبدو هذه الأسعار الحالية أقل مما تسعره بعض الدول المُصدّرة للنفط لميزانيتها المالية، وهو ما دفع البعض للتحرك سريعاً للسيطرة على العجز المتوقع.
ليبيا تخفّض عملتها خوفاً من تراجع النفط
بدأت ليبيا مبكراً لتجنب انخفاض إيرادات النفط باتخاذها قراراً بخفض سعر الدينار الليبي بنسبة 13.3 في المئة، حسب ما تقول رامونا مبارك، رئيسة إدارة المخاطر بمنطقة الشرق الأوسط بفيتش سوليوشنز.وتُضيف أن النفط يمثّل أكثر من 90 في المئة من إجمالي الإيرادات الليبية التي تأتي من الصادرات، وهو ما دفع الحكومة إلى خفض العملة الليبية.وفي بداية الأسبوع الجاري، أعلن مصرف ليبيا المركزي خفض سعر صرف الدينار الليبي بنسبة 13.3 في المئة ليصبح 5.5677 دينار مقابل الدولار الأميركي، وهو أول خفض رسمي منذ عام 2020.وخلال العام الماضي، هوت عائدات النفط الليبي بنحو 23 في المئة لتصل إلى 15.5 مليار دولار مقابل 22.1 مليار دولار في 2023، وفقاً لبيانات للبنك المركزي الليبي.وقدر صندوق النقد الدولي سعر النفط الذي تحتاج إليه ليبيا حتى لا تحقق ميزانيتها المالية في 2025 عجزاً بـ 70.1 دولار للبرميل، لكن ليبيا لا تزال تعاني مشكلات اقتصادية أكبر نتيجة الصراعات السياسية التي كانت قد تسبب في وقت ما من العام الماضي في توقف البنك المركزي الليبي عن العمل.
السياسة تعصف بخطة العراق
رغم أن العراق لديه المستوى نفسه من الاعتماد على النفط في وقتٍ يزداد إنفاقه بنسب كبير، فإنه لا يمتلك رفاهية خفض العملة التي نفذتها ليبيا.وتقول رئيسة إدارة المخاطر بمنطقة الشرق الأوسط بفيتش سوليوشنز، إنه مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في نوفمبر تشرين الثاني 2025 قد لا يكون تعديل سعر العملة أو خفضه أمراً وشيكاً في العراق.ويبلغ الدولار في السوق الرسمية بالعراق 1310 دينارات عراقية، بينما يرتفع السعر ليتخطى 1400 دينار عراقي في السوق الموازية.ويُقدّر صندوق النقد الدولي سعر التعادل النفطي لموازنة العراق في 2025 عند 92.4 دولار للبرميل وهو رقم بعيد جداً عن الأسعار المتداولة حالياً أو حتى توقعات بنوك الاستثمار.
تنويع الاقتصاد بعيداً عن البترول
قطعت بعض الدول المُصدّرة للنفط وعلى رأسها الدول الخليجية طريقاً نحو تنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد على النفط مصدراً للإيرادات.وفي آخر تقرير للتوقعات آفاق الاقتصاد العالمي في أكتوبر تشرين الأول 2024، قال صندوق النقد الدولي إن البلدان المُصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي عكفت على مدار العقدين الماضيين على تنفيذ إصلاحات بفاعلية بغية تنويع اقتصاداتها.وشملت هذه الإصلاحات إطلاق رؤى اقتصادية مستقبلية تعزز من القطاعات غير الهيدروكربونية والاستفادة من صناديق الثروة السيادية وتشجيع ريادة الأعمال.وتوقع الصندوق أن يبلغ التعادل النفطي لموازنة السعودية عند 90.9 دولار للبرميل خلال 2025، أمّا في الإمارات فسيكون 51.3 دولار للبرميل.وسترتفع هذه القيمة لتسجل 81.8 دولار للبرميل بالنسبة لموازنة الكويت وإلى 124.9 دولار للبرميل بالنسبة لموازنة البحرين.وتتماشى هذه التوقعات مع توقعات سابقة لوكالة فيتش التي كانت تشير إلى أن زيادة إنتاج النفط المرتقب سيؤدي إلى تقليص سعر التعادل النفطي لدى دول منطقة الخليج التي من المتوقع أن تسجل جميعها فوائض مالية في ميزانيتها ما عدا السعودية والبحرين.وقالت الوكالة إن هذا سيأتي استمراراً لانتعاش القطاع غير النفطي وكذلك بدعم من الإصلاحات المالية التي تنفذها دول الخليج.