بيع السندات الحكومية الأميركية.. هل يصبح خيار بكين في حربها مع واشنطن؟

بيع السندات الحكومية الأميركية.. هل يصبح خيار بكين في حربها مع واشنطن؟

مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تتزايد التكهنات بشأن إمكانية بيع الصين مخزونها الضخم من سندات الخزانة الأميركية في الحرب التجارية بينهما، بعد إعلان ترامب زيادة الرسوم الجمركية على الصين إلى 145 في المئة.وغالباً ما يُشار إلى هذه الخطوة من قِبل المحللين بـ«الخيار النووي»، إذ قد تُحدث اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية العالمية، لكنها تحمل أيضاً مخاطر جسيمة على الصين نفسها.

ديون الحكومة الأميركية التي تحتفظ بها الصين 

بدءاً من يناير 2025، بلغت قيمة ديون الحكومة الأميركية التي تحتفظ بها الصين نحو 760 مليار دولار، ما يجعلها ثاني أكبر حائز أجنبي لهذه الديون بعد اليابان، ويؤدي بيع جزء كبير منها إلى انخفاض أسعار السندات، ورفع تكاليف الاقتراض الأميركية، وزعزعة استقرار الأسواق العالمية.
ويعتقد فيليب إيفانوف، مؤسس «مخاطر جيوسياسية وممارسة استراتيجية» (GRASP)، أن هذا سيكون رد الفعل الأكثر تطرفاً من جانب الصين، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي. وأضاف «سيُلحق ضرراً بالغاً بالولايات المتحدة، لكن الضرر الذي قد يلحق بالصين قد يكون أكبر، أعتقد أن هذا سيكون الملاذ الأخير للصين». وأضاف أن التصعيد المقبل -إن حدث- قد يشمل أيضاً انخفاضاً حاداً في قيمة اليوان، معلقاً: «بيع سندات الخزانة الأميركية وخفض قيمة اليوان بشكل كبير سيكون بمثابة المرحلة التالية من هذه المنافسة التجارية».ويعمل بنك الشعب الصيني تدريجياً على تنفيذ استراتيجيته طويلة الأجل لتنويع احتياطياته، والتحول عن الدولار الأميركي، وإعادة تخصيصها لعملات مجموعة العشرة الأخرى، ويتجلى ذلك في الانخفاض الحاد في حصة البنك من ديون الحكومة الأميركية التي يمتلكها المستثمرون الأجانب، إذ انخفضت إلى 8.9 في المئة من نحو 28 في المئة في عام 2011، وبشكل عام، يمتلك المستثمرون الأجانب نحو 30 في المئة من إجمالي ديون الولايات المتحدة.ويعتقد الخبير الاقتصادي جيفري ساكس، أن الصين لن تكتفي على الأرجح باحتياطياتها الضخمة من النقد الأجنبي ودولاراتها. وأضاف ساكس لقناة «CNBC-TV18»: «لا أعلم إن كانت ستتصرف فجأةً كرد فعل أم ستواصل تدريجياً اتجاه البيع المكثف، لكنها ستواصل التخلص من الأصول المقومة بالدولار الأميركي».

الصراع التجاري بسبب الرسوم الجمركية 

وتفاقم الصراع التجاري بعد أن رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى أكثر من 100 في المئة، ما دفع الصين للرد بفرض رسوم جمركية بنسبة 33-34 في المئة على جميع الواردات الأميركية؛ إلا أن إيفانوف صرّح بأن هذا الأمر يتجاوز مجرد التجارة.وأضاف: «نحن الآن في مواجهة سياسية وجيوسياسية بالأساس، أكثر من كونها مواجهة اقتصادية أو تجارية».ورغم استعداد الصين لحرب تجارية محتملة منذ سنوات، فأنها لا تزال عرضة للخطر، لا سيما أن اقتصادها يعتمد بشكل كبير على التصنيع، وهو القطاع نفسه الذي أصبح مستهدفاً الآن، وبالتالي فإن إمكانية بيع الصين للسندات الحكومية الأميركية صعبة لأنها تعرض اقتصادها أيضاً للخطر.

لماذا لا تستطيع الصين بيع السندات الحكومية الأميركية؟

من جانبه قال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في شركة «بي دي سويس»، إنه لا يوجد ما يمنع بيع السندات الحكومية الأميركية سواء للصين أو غيرها مثل اليابان، لكن الأمر مرتبط بالجدوى الاقتصادية عند الحكومات من هذه الاقتصادات، لافتاً إلى أن الحكومات تريد الحصول على عائد لفترات طويلة وبالتالي يكون خيار الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية أمراً جيداً باعتبار أنها الملاذ الآمن في الاستثمار.وأضاف سلهب، في تصريحات لـCNN الاقتصادية، أن التعامل في سندات الحكومة الأميركية بمبالغ مالية قياسية وضخمة يتحول الأمر من استثمار فقط إلى عملية سياسية من الدرجة الأولى، لأنها تعتبر نوعاً من التفاهم غير المكتوب على عدم التصعيد في الحرب التجارية، لأن بيع السندات يكون له تأثير كبير يهدد الاقتصاد الأميركي والعالمي، وبالتالي لا يتوقف الأمر عند قصة عوائد أو استثمار بالسندات.وتابع «عندما تشتري سندات من الحكومة الأميركية، فإنه يمثل ديناً فعلياً عليها، فعلى سبيل المثال اليابان دفعت تريليون دولار في السندات للحصول على عوائد، فكانت تصدر (الكاش) إلى أميركا لتمول فيه الديون والمشاريع مقابل العوائد، وبالتالي يسهم بشكل أساسي في الاقتصاد الأميركي».وأوضح أن خطورة بيع السندات هو أن العوائد أو الفوائد الخاصة بها ترتفع من أجل جذب المستثمرين للشراء من جديد، وبالتالي ديون تضغط على الولايات المتحدة وتؤثر على اقتصاد العالم، معلقاً «على سبيل المثال لو ازدادت الديون وأعلنت أميركا أنها لا تملك الأموال لدفع العوائد لأصبحت أزمة للعالم كله، لأن هناك دولاً كثيرة تستثمر في السندات الحكومية، وبالتالي هي ربطت دول العالم باقتصادها».واختتم «كل هذه العوامل تجعل بيع الصين للسندات الحكومية الأميركية موضوعاً معقداً ومرتبطاً بجوانب سياسية وبالاقتصاد العالمي والتوازن بين الدولار واليوان؛ وبالتالي فهو قرار سيادي وليس اقتصادياً فقط».