دولار ترامب يعتمد على تنافسية الآخرين.. لا على قوته الداخلية

دولار ترامب يعتمد على تنافسية الآخرين.. لا على قوته الداخلية

في العام الماضي بدا أن الولايات المتحدة رسّخت مكانتها الرائدة كملاذ للاستثمارات الدولية، بعد أن أسهمت القوة الملحوظة للاقتصاد الأميركي مقارنةً بالاقتصادات الكبرى الأخرى في ارتفاع قيمة الدولار بنسبة تقارب 10 في المئة في خريف عام 2024، مع الأداء القوي للاقتصاد وسوق العمل مع تراجع التضخم تدريجياً نحو هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ  2 في المئة.
أثارت هذه التطورات تساؤلات بشأن الدور التاريخي للدولار كملاذ للمستثمرين الدوليين.
في العقدين الماضيين أدت كل حالة من حالات الاضطرابات الاقتصادية والمالية إلى اندفاع محموم من جانب المستثمرين في العالم نحو الأصول المالية الآمنة التي يودعون فيها أموالهم ريثما تهدأ العاصفة، ومنها سندات الخزانة الأميركية، التي لطالما اعتُبرت أكثر الأصول أماناً نظراً لاستقرار الاقتصاد الأميركي، ولأن هذه الأوراق المالية متوفرة بكميات كبيرة وسهلة التداول.بعد إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية، كان رد الفعل مختلفاً.بدا أن المستثمرين المذعورين يفضلون بدائل مثل سندات الحكومة اليابانية والذهب، وليس سندات الخزانة الأميركية أو غيرها من الأصول المقومة بالدولار.أجبرت التحولات في توقعات النمو الأميركي ومستويات أسعار الفائدة، الناجمة عن إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية، مشترو ديون الحكومة الأميركية على طلب أسعار فائدة أعلى، وهو مؤشر على توقعهم لارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة -لكبح التضخم- في المستقبل.ومع توجه الولايات المتحدة نحو زيادة مستوى ديونها الفيدرالية المرتفعة أصلاً فلا عجب أن ترتفع أسعار الفائدة على القروض الحكومية.الأسوأ هو الضرر الذي يُلحقه ترامب بالإطار المؤسسي الأميركي، وهو أحد الركائز الأساسية التي تدعم هيمنة الدولار وثقة المستثمرين المحليين والأجانب في النظام المالي القائم على الدولار.من المرجح أن تدفع سياسات ترامب غير المنتظمة، وهجومه على استقلال البنك المركزي الأميركي، والحكومات الأجنبية والبنوك المركزية إلى تقليل اعتمادها على الدولار كعملة دفع واحتياطي دولية.وبالطبع تصريحات ترامب بشأن رغبته في إضعاف الدولار في محاولة عبثية لتعزيز الصادرات الأميركية هي خطر داهم على استقرار العملة.

العرش مستقر

على الرغم من إضعاف ترامب للوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، يرى إيسوار براساد، أستاذ أول السياسات التجارية في كلية دايسون للاقتصاد التطبيقي والإدارة في جامعة كورنيل، في مقاله على موقع «فورين آفيرز» أن الأصول البديلة للاستثمار في الاقتصادات الكبرى الأخرى، بما في ذلك الصين واليابان ومنطقة اليورو، لا تزال أقل جاذبية مقارنةً بالولايات المتحدة.أدى ضعف آفاق النمو الاقتصادي في هذه البلدان إلى جعل أصولها أقل جاذبية، كما أن دولاً مثل الصين تُقيد حركة رأس المال داخل البلاد وخارجها، مع ضعف استقلالية البنك المركزي الصيني.في الوقت نفسه تثير الاضطرابات السياسية في أوروبا تساؤلات بشأن استقرار منطقة اليورو.نعم عرش الدولار الأميركي على قمة النظام النقدي العالمي هش، ولكن لحسن حظ الولايات المتحدة يبدو أنه لا يوجد منافس قوي بما يكفي لإزاحة الدولار عن عرشه.

حدود التحول

التحول بعيداً عن الدولار له حدود، لأن عملات الدول الأخرى وأسواقها المالية تفتقر ببساطة إلى العمق (توافر عدد كبير من الأصول عالية الجودة) والسيولة، (سهولة تداول هذه الأصول) لدعم تدفقات رأس المال الكبيرة.من المؤكد أن سوق السندات الحكومية اليابانية متينة وآمنة، وكذلك سوق السندات في منطقة اليورو، لكن كلاهما يعاني من ضعف آفاق النمو واضطرابات سياسية داخلية.وتعاني منطقة اليورو أيضاً من منعطف شعبوي يميني يُنذر بعدم الاستقرار السياسي، إلى جانب ارتفاع عجز الموازنة، وهذا لا يبعث الثقة لدى المستثمرين.واضطر الاقتصاد الصيني أخيراً إلى التأقلم مع هشاشته الداخلية، ولا يزال انهيار أسواق العقارات في البلاد يُسبب ضغوطاً، كما تعجز الصين عن التخلص من شبح تباطؤ النمو نتيجة تجاوز طاقتها الإنتاجية للطلب الاستهلاكي المحلي في السنوات الأخيرة، ولا تحظى الصين بثقة المستثمرين الأجانب بسبب ضعف إطارها المؤسسي مع احتفاظ الحزب الشيوعي الصيني بقبضة حديدية على الأنظمة الاقتصادية والقانونية والسياسية في البلاد.