هل يكفي إعادة تدوير المعادن النادرة لتخفيف اعتماد الغرب على الصين؟

هل يكفي إعادة تدوير المعادن النادرة لتخفيف اعتماد الغرب على الصين؟

مع إحكام الصين قبضتها على الإمدادات العالمية من المعادن الرئيسية، يعمل الغرب على تقليل اعتماده على المعادن النادرة الصينية، ويتضمن ذلك إيجاد مصادر بديلة للمعادن الأرضية النادرة، وتطوير التقنيات اللازمة لتقليل الاعتماد عليها، واستعادة المخزونات الحالية من خلال إعادة تدوير المنتجات التي وصلت إلى نهاية عمرها الافتراضي.

سيطرة الصين على المعادن النادرة 

قالت شركة الاستشارات أليكس بارتنرز: «لا يمكنك تصنيع سيارة حديثة بدون المعادن النادرة»، مشيرة إلى أن الشركات الصينية أصبحت تهيمن على سلسلة توريد المعادن.

وفي سبتمبر 2024، استثمرت وزارة الدفاع الأميركية 4.2 مليون دولار في شركة «أملاح العناصر الأرضية النادرة»، وهي شركة ناشئة تهدف إلى استخراج الأكاسيد من المنتجات المُعاد تدويرها محلياً، مثل مصابيح الفلورسنت، كما استثمرت شركة تويوتا اليابانية في تقنيات للحد من استخدام العناصر الأرضية النادرة.
وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن الصين سيطرت على 69 في المئة من إنتاج مناجم المعادن النادرة في عام 2024، وما يقرب من نصف احتياطيات العالم.ويقدر المحللون من شركة أليكس بارتنرز، أن السيارة الكهربائية النموذجية ذات المحرك الواحد والتي تعمل بالبطارية تتضمن نحو 550 غراماً (1.21 رطلاً) من المكونات التي تحتوي على معادن نادرة، على عكس السيارات التي تعمل بالبنزين، والتي تستخدم 140 غراماً فقط من المعادن النادرة، أو نحو 5 أونصات.وأكثر من نصف سيارات الركاب الجديدة المبيعة في الصين هي سيارات تعمل بالبطاريات فقط أو تعمل بالطاقة الهجينة، على عكس الولايات المتحدة، حيث لا تزال تعمل في الغالب بالبنزين.وقال كريستوفر إكليستون، كبير الاستراتيجيين في مجال التعدين في شركة هالجارتن آند كومباني «مع تباطؤ استخدام السيارات الكهربائية (في الولايات المتحدة) وتراجع أوامر التحول من محركات الاحتراق الداخلي إلى السيارات الكهربائية في المستقبل، فإن الحاجة إلى استبدال المواد ذات المصدر الصيني في السيارات الكهربائية آخذة في التراجع».وأضاف «قريباً جداً، سيكون الجيل الأول من السيارات الكهربائية جاهزاً لإعادة التدوير، وهو ما سيخلق مجموعة من المواد القادمة من الصين التي ستكون تحت سيطرة الغرب».وبلغت نسبة مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة 7.5 في المئة فقط في الربع الأول، وهي زيادة طفيفة على العام الماضي، وفقاً لشركة كوكس أوتوموتيف. وأشارت الشركة إلى أن نحو ثلثي السيارات الكهربائية المبيعة في الولايات المتحدة العام الماضي جُمعت محلياً، إلا أن الشركات المصنعة لا تزال تعتمد على الواردات لتوفير أجزائها، معلِّقة «الحرب التجارية الشاملة الحالية مع الصين، المورد الرائد في العالم لمواد بطاريات السيارات الكهربائية، سوف تؤدي إلى تشويه السوق بشكل أكبر».ومن بين 1.7 كيلوغرام (3.74 رطل) من المكونات التي تحتوي على معادن نادرة والموجودة في سيارة كهربائية نموذجية أحادية المحرك تعمل بالبطارية، تحتوي السيارة على 550 غراماً (1.2 رطل) من هذه المعادن.. وتُستخدم كمية مماثلة تقريباً، أي 510 غرامات، في السيارات الهجينة التي تعمل ببطاريات ليثيوم أيون.

الصين تعلن ضوابط التصدير على المعادن

وفي أوائل أبريل الماضي، أعلنت الصين ضوابط تصدير على سبعة معادن أرضية نادرة، وشملت هذه القيود التربيوم، الذي يُستخدم 9 غرامات منه عادةً في السيارات الكهربائية أحادية المحرك، وفقاً لبيانات «أليكس بارتنرز».ووفقاً للبيانات، لا يُستخدم أيٌّ من المعادن الأرضية النادرة الستة الأخرى المستهدفة بشكلٍ كبير في السيارات، لكن قائمة أبريل ليست الوحيدة، فقائمة صينية منفصلة لضوابط المعادن، دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر، وتُقيّد صادرات السيريوم، الذي أفادت شركة «أليكس بارتنرز» بأن 50 غراماً منه تُستخدم في المتوسط ​​في سيارة كهربائية أحادية المحرك.وتعني هذه الضوابط أن الشركات الصينية التي تتعامل مع المعادن يجب أن تحصل على موافقة حكومية لبيعها في الخارج.وأفادت صحيفة «كايكسين»، وهي وكالة أنباء أعمال صينية، في 15 مايو الماضي، بعد أيام قليلة من الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بأن ثلاث شركات صينية رائدة في مجال مغناطيسات المعادن النادرة حصلت على تراخيص تصدير من وزارة التجارة لشحنها إلى أميركا الشمالية وأوروبا.وما يُقلق قطاع الأعمال الدولي هو ندرة البدائل المتاحة للصين للحصول على المعادن النادرة، وقد تستغرق المناجم سنوات للحصول على موافقة التشغيل، بينما تتطلب مصانع المعالجة وقتاً وخبرة لتأسيسها.وصرحت وكالة الطاقة الدولية في بيان لها: «تسيطر الصين اليوم على أكثر من 90 في المئة من إمدادات المعادن الثمينة العالمية من العناصر الأرضية النادرة المغناطيسية الأربعة (Nd، Pr، Dy، Tb)، والتي تُستخدم في صناعة المغناطيسات الدائمة لمحركات السيارات الكهربائية»، ويشير ذلك إلى النيوديميوم والبراسيوديميوم والديسبروسيوم والتربيوم.وبالنسبة لبطاريات هيدريد النيكل المعدني الأقل استخداماً في السيارات الهجينة، تصل كمية العناصر الأرضية النادرة إلى 4.45 كيلوغرام، أي ما يقارب 10 أرطال، وفقاً لشركة «أليكس بارتنرز»، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى أن هذا النوع من البطاريات يستهلك 3.5 كيلوغرام من اللانثانوم.وقال هنري ساندرسون، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدفاع والأمن: «أُقدّر أن نحو 70 في المئة من المعادن التي تزيد على 200 كيلوغرام في المركبات الكهربائية تمر عبر الصين، لكن هذه النسبة تختلف باختلاف المركبة والشركة المصنعة، ومن الصعب تحديد رقم دقيق».

الغرب يسعى لإعادة تدوير المعادن 

مع ذلك، هناك حدود لإعادة التدوير، فهي لا تزال صعبة وتستهلك طاقة هائلة وتستغرق وقتاً طويلاً، وحتى مع تباطؤ استخدام المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة، تُستخدم المعادن بكميات أكبر بكثير في الدفاع.وعلى سبيل المثال، تحتوي طائرة «F-35» المقاتلة على أكثر من 900 رطل من المعادن النادرة، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن العاصمة.وتتجاوز القيود التي تفرضها الصين على المعادن النادرة أيضاً القائمة التي تحظى بمتابعة دقيقة والتي تم إصدارها في الرابع من أبريل.وخلال العامين الماضيين، عززت الصين سيطرتها على فئة أوسع من المعادن تُعرف  بالمعادن الحيوية، ففي صيف عام 2023 أعلنت الصين أنها ستقيد صادرات الغاليوم والجرمانيوم، وكلاهما يُستخدم في صناعة الرقائق، وبعد عام تقريباً أعلنت عن قيود على الأنتيمون، المستخدم لتقوية معادن أخرى، وهو مكون أساسي في الرصاص وإنتاج الأسلحة النووية وبطاريات الرصاص الحمضية.وفي أكتوبر تشرين الأول الماضي، أصدر مجلس الدولة، وهو أعلى هيئة تنفيذية في البلاد، سياسة كاملة لتعزيز  ضوابط الصادرات، بما في ذلك المعادن، التي قد تحتوي على خصائص مزدوجة الاستخدام، أو يمكن استخدامها لأغراض عسكرية ومدنية.وكان أحد القيود التي فاجأت الكثيرين في هذه الصناعة يتعلق بالتنغستن، وهو معدن مُصنّف في الولايات المتحدة على أنه معدن بالغ الأهمية، ولكنه ليس من المعادن النادرة، إذ يُستخدم هذا المعدن شديد الصلابة في الأسلحة، وأدوات القطع، وأشباه الموصلات، وبطاريات السيارات.وأظهرت بيانات من هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن الصين ستنتج نحو 80 في المئة من إمدادات التنغستن العالمية في عام 2024، وتستورد الولايات المتحدة 27 في المئة من التنغستن من الصين.وصرّح مايكل دورنهوفر، مؤسس شركة «إندبندنت سابلاي بيزنس بارتنر» للاستشارات المعدنية، بأنّ نحو كيلوغرامين من التنغستن يُستخدم عادةً في كل بطارية سيارة كهربائية، مشيراً إلى أنّ هذا التنغستن لا يعود إلى سلسلة إعادة التدوير إلا بعد سبع سنوات على الأقل، وأنّ انخفاض استخدامه قد لا يجعله قابلاً لإعادة الاستخدام.وقال لويس بلاك، الرئيس التنفيذي لشركة ألمنتي لتعدين التنغستن «تستهلك الصين 50 في المئة من التنغستن العالمي، لذا فهم يواصلون أعمالهم كالمعتاد، أما الـ40 في المئة المتبقية التي تُنتج (في الصين) فتُرسل إلى الغرب، وهي غير موجودة».وأوضح أنه عندما يعاد فتح منجم التنغستن التابع للشركة في كوريا الجنوبية هذا العام، فإن هذا يعني أنه سيكون هناك ما يكفي من الإمدادات غير الصينية من المعدن لتلبية احتياجات الولايات المتحدة وأوروبا وكوريا الجنوبية للدفاع.واختتم «بالنسبة للسيارات والصناعات الطبية والفضائية ليس لدينا ما يكفي».