ترامب يواجه النظام القضائي الأميركي.. هل سيتمكن من تطبيق سياسته؟

بعد فوضى عارمة في الأسواق العالمية بهبوط وصعود متكرر بسبب التعريفات الجمركية الأميركية خرجت محكمة التجارة الدولية بواشنطن بقرار وقف دخول الرسوم حيز التنفيذ في خطوة عرقلة محاولات الرئيس دونالد ترامب لإعادة تشكيل الميزان التجاري لأميركا.
هل يستطيع ترامب تحدي القضاء؟
أجاب عن هذه التساؤلات أستاذ القانون الدولي، أيمن سلامة في حديثه مع CNN الاقتصادية قائلاً: «مبدئياً، لا يستطيع الرئيس الأميركي، أن يتحدى بشكل مباشر حكماً قضائياً نهائياً ويطبق تعريفات جمركية تم إبطالها قانونياً، وأي محاولة لتطبيق تعريفات جمركية أُبطلت قضائياً ستعتبر تحدياً دستورياً خطيراً، وقد تؤدي إلى أزمات دستورية ومقاضاة جديدة».
أضاف لـCNN الاقتصادية «فالقضاء الفيدرالي، وخاصة المحكمة العليا، يمتلك الكلمة الأخيرة في تفسير القوانين والدستور، وأي محاولة لعدم الالتزام بقراراته تُعد انتهاكاً جسيماً للنظام الدستوري وقد تؤدي إلى أزمة سياسية كبيرة».
صلاحيات ترامب
في ما يتعلق بفرض التعريفات الجمركية، فالرئيس يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة تخوله، في بعض الحالات الاستثنائية كحماية الأمن القومي أو خلال حالات الطوارئ الاقتصادية، فرض تعريفات من دون الرجوع المباشر إلى الكونغرس، وذلك استناداً إلى قوانين مثل قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، في المقابل فإن للكونغرس الحق في التدخل لإيقاف تلك السياسات عبر تشريعات مضادة أو من خلال وسائل رقابية، وإن كانت هذه الإجراءات غالباً ما تكون معقدة وتتطلب توافقاً سياسياً، بحسب الديب.وتابع «وبالتالي، فبينما يستطيع الرئيس استخدام أدوات السلطة التنفيذية في بعض المجالات، فإنه يظل مقيداً بالمبادئ الدستورية والرقابة القضائية».
استئناف الحكم.. هل ينجح؟
استأنفت إدارة ترامب الحكم، الذي يمثل ضربة مبكرة لاستراتيجية التعريفات الجمركية لترامب، ما يضعف إحدى أدواته الرئيسية لدفع الدول الأخرى إلى اتفاقيات تجارية أكثر ملاءمة مع الولايات المتحدة.قال الديب إن الأساس القانوني للاستئناف سيكون مبنياً على تأويل صلاحيات الرئيس بموجب قوانين مثل «قانون السلطات الاقتصادية الدولية في حالات الطوارئ» و«قانون التجارة مع العدو»، إذ ستجادل الإدارة بأن هذه القوانين تمنح الرئيس صلاحيات واسعة لتقدير المخاطر الاقتصادية والتصرف بموجبها لحماية الأمن القومي والمصلحة القومية.وأفاد الديب بأنه «من المتوقع أن تدفع الإدارة في استئنافها بالحجج التالية: أن السلطة التنفيذية تملك صلاحيات تقديرية واسعة بموجب القوانين القائمة، خاصة في ظروف الطوارئ، وأن القضاء لا ينبغي أن يحل محل السلطة التنفيذية في تقدير متى تكون هناك (حالة طوارئ) أو تهديد للأمن الاقتصادي وأن التعريفات الجمركية كانت وسيلة سياسية واقتصادية ضرورية للضغط على دول أجنبية لحماية المصالح الأميركية».لكن بالمقابل، فإن المسار القضائي قد يواجهها بحجج مضادة مثل: أن الطوارئ المعلنة لم تكن حقيقية، أو مستوفية للشروط القانونية، وأن استخدام هذه الصلاحيات تم بشكل مفرط وغير منضبط، ما أدى إلى الإضرار بالمستهلكين الأميركيين وبالاقتصاد المحلي، وأن السلطة التنفيذية تجاوزت دورها التشريعي في تنظيم التجارة، وهو اختصاص أصيل للكونغرس، وفقاً لما أوضحه الديب.بحسب ما قاله سلامة، الاستئناف لا يضمن قلب الحكم، ويتطلب أسساً قانونية قوية، ولذلك لا تستطيع السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية القفز على أحكام القضاء الأميركي النهائية، لأن المحاكم الفيدرالية، وخاصة المحكمة العليا، هي المفسر النهائي للدستور والقوانين. أضاف «لذلك أي محاولة للالتفاف على حكم قضائي نهائي ستعتبر انتهاكاً خطيراً لمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، وقد تؤدي إلى إجراءات عزل أو تحديات قانونية أخرى».
رد فعل الدول المتضررة من تعريفات ترامب
توقع الديب ستراقب الدول التطورات داخل أميركا بدقة لتقدير مسارات القوة داخل النظام السياسي الأميركي، وإذا كان دونالد ترامب في موقف قوة، فإن عدداً من الدول ستسعى إلى الحفاظ على قنوات التواصل معه، بل وربما تبدي مرونة في المواقف لتأمين مصالحها المستقبلية، فالدول لا تبني قراراتها فقط على الاعتبارات القانونية المجردة بل على التوازنات السياسية والاقتصادية”.أضاف «وعليه فإنها قد تتبع منهجاً مزدوجاً يجمع بين احترام الإطار القانوني الأميركي الظاهري والسعي في الوقت ذاته إلى إرضاء الشخصيات النافذة مثل ترامب، خاصة في الملفات التي تمس مصالحها الحيوية كالتجارة والطاقة والدفاع، ومن ثم فإن التوقع الأكثر واقعية هو أن تسعى تلك الدول إلى تحقيق التوازن بين احترام الشكل القانوني الأميركي ومراعاة علاقاتها الاستراتيجية مع من قد يكون له نفوذ كبير في مستقبل القرار السياسي الأميركي».كان لأيمن سلامة رأي مخالف للديب، فقال: «من المتوقع أن تتبع الدول التي تسعى لعقد صفقات مع الولايات المتحدة الأحكام القضائية الأميركية، فإن الاستقرار القانوني هو حجر الزاوية في العلاقات التجارية الدولية، ولن ترغب الدول في الدخول في اتفاقيات أو صفقات تعتمد على سياسات قد يتم إبطالها قضائياً في أي لحظة».وتوقع أنها ستسعى إلى التأكد من أن أي سياسات تجارية، بما في ذلك التعريفات، تستند إلى أساس قانوني متين ولا تتعارض مع أحكام القضاء الأميركي، معقباً أن محاولة إرضاء ترامب على حساب مبدأ سيادة القانون ستكون محفوفة بالمخاطر بالنسبة لتلك الدول.ومنذ رجع ترامب للبيت الأبيض في يناير كانون الثاني أشعل العالم بوابل من التعريفات على معظم الدول التي تملك فائضاً تجارياً مع أميركا بفرضه تعريفات كان أقلها بنسبة 10 بالمئة، وارتفعت على دول أخرى وأولها الصين التي ارتفعت الرسوم على وارداتها لأميركا إلى 145 بالمئة، ولكن توقفت كل تلك الرسوم لمدة 90 يوماً، حتى التي فُرضت على الصين لحيت التوصل لاتفاق تجاري يضمن توازن الميزان التجاري لأميركا.