رجل من خلفية الفقر: من هو سيدي ولد التاه، الرئيس الجديد للبنك الإفريقي للتنمية؟

رجل من خلفية الفقر: من هو سيدي ولد التاه، الرئيس الجديد للبنك الإفريقي للتنمية؟

في لحظة فارقة من تاريخ القارة الإفريقية، تم انتخاب الدكتور سيدي ولد التاه رئيساً تاسعاً لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية، خلفًا للدكتور أكينومي أديسينا. جاء هذا الاختيار نتيجة لمسيرة حافلة بالخبرات الاقتصادية والسياسية والإدارية، جعلت منه شخصية توافقية ذات رؤية واضحة لمستقبل التنمية في القارة.
سيدي ولد التاه.. النشأة والتكوين المبكر
وُلد الدكتور سيدي ولد التاه في موريتانيا في أوائل الستينيات، في بيئة اجتماعية محافظة تُولي التعليم والتكوين الأخلاقي أهمية كبيرة.
نشأ في أسرة متوسطة الحال، وكان والده من رجال التعليم المعروفين في منطقته، ما زرع فيه منذ الصغر تقديراً خاصاً للعلم والانضباط. ترعرع في العاصمة نواكشوط، حيث تلقى تعليمه الأساسي والثانوي، وبرز خلال سنوات دراسته المبكرة بتفوقه الأكاديمي اللافت، خاصة في المواد العلمية واللغات.شكّلت بيئة النشأة التي كانت تعاني من محدودية الموارد وفرص التنمية حافزاً شخصياً لديه لفهم آليات الفقر والتخلف، والسعي لاحقاً لتغيير هذا الواقع عبر أدوات الاقتصاد والسياسة العامة. وانعكست تلك الخلفية بوضوح على اختياراته التعليمية، حيث قرر التخصص في الاقتصاد ليكون فاعلاً في معالجة الإشكاليات التنموية التي عاشها عن قرب في بلاده.بعد تخرجه في المرحلة الثانوية، حصل على منحة دراسية مكّنته من متابعة دراسته العليا في فرنسا، حيث التحق بجامعة نيس صوفيا أنتيبوليس، وهناك نال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، مع تركيز على الاقتصاد الكلي والسياسات التنموية. تميزت دراسته بالتعمق في نظريات التنمية والنمو، والتحليل المقارن لاقتصادات الجنوب، خاصة الاقتصادات الإفريقية، ما منح تجربته بُعداً نظرياً قوياً أكسبه أدوات تحليل استراتيجية في العمل الحكومي والمؤسسي لاحقاً.مسيرة سيدي ولد التاه العلميةينتمي سيدي ولد التاه إلى موريتانيا، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس بفرنسا، بالإضافة إلى شهادات عليا في الاقتصاد الكلي والتنمية، وقد أسهم تكوينه الأكاديمي في ترسيخ فهمه العميق للتحديات البنيوية التي تواجه الاقتصادات الإفريقية، لا سيما تلك المتعلقة بالتنمية المستدامة، الحوكمة الاقتصادية، والاندماج الإقليمي.مسيرة سيدي ولد التاه المهنيةبدأ الدكتور سيدي مسيرته في مناصب اقتصادية وفنية في الحكومة الموريتانية، حيث شغل مناصب عديدة من بينها وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية بين عامي 2008 و2015، وهو المنصب الذي أتاح له الإشراف على سياسات الاقتصاد الكلي وبرامج التعاون الدولي، وخلال تلك الفترة لعب دوراً رئيسياً في التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية، ووضع استراتيجيات تنموية شاملة لبلده.بعد ذلك، انتقل للعمل في المؤسسات الإقليمية، حيث شغل منصب المدير العام لإدارة الاقتصاد الريفي والزراعة في الاتحاد الإفريقي، ومن ثم المدير العام للمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (باديا) في عام 2015، حيث أعاد هيكلة سياسات الإقراض والتعاون الفني، ووسّع نطاق الشراكات مع الدول الإفريقية.سيدي ولد التاه وقيادة البنك الإفريقي للتنميةتوليه قيادة البنك الإفريقي للتنمية في 2025 جاء في وقت تتطلع فيه إفريقيا إلى تجاوز آثار الأزمات الاقتصادية العالمية، وتحقيق التحول الرقمي، والتنمية الصناعية، وتعزيز البنية التحتية الخضراء. وقد تعهد سيدي، منذ اليوم الأول، بالتركيز على خمس أولويات رئيسية:تحقيق أمن غذائي شامل من خلال دعم الزراعة المستدامة.تحفيز التكامل الإقليمي وتحسين سلاسل القيمة الإفريقية.تعزيز التمويل المناخي والبنية التحتية المقاومة لتغير المناخ.تمكين الشباب والمرأة اقتصادياً، خاصة في المناطق الريفية.زيادة كفاءة الشراكات مع القطاع الخاص وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.سيدي ولد التاه.. رؤية تنموية شاملةيعرف عن سيدي ولد التاه هدوؤه وعمقه التحليلي، كما يتميز برؤية شاملة للتنمية لا تقتصر على المؤشرات الاقتصادية فقط، بل تشمل بناء الإنسان والمؤسسات، وهو يؤمن بأن التحول في إفريقيا لا يمكن أن يحدث دون معالجة الفقر البنيوي، والارتقاء بالتعليم والصحة، وتحسين الحوكمة. كما يُعد من المدافعين عن تعزيز الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية، داعياً إلى تقوية المؤسسات الإقليمية والاستثمار في رأس المال البشري.تحديات وآفاق أمام سيدي ولد التاهأمام سيدي تحديات كبيرة، من بينها عبء الديون الذي يثقل كاهل العديد من الدول الإفريقية، وتداعيات التغير المناخي، والاحتياجات المتزايدة للبنية التحتية. لكن خبرته الطويلة في إدارة الموارد، وفهمه العميق للخريطة السياسية والاقتصادية في إفريقيا، يمنحانه ميزة فريدة في التعامل مع هذه القضايا بشفافية وكفاءة.ويُمثل انتخاب سيدي ولد التاه رئيساً لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية مرحلة جديدة في مسار التنمية الإفريقية، تتسم بالحكمة والخبرة والتطلع نحو مستقبل أكثر شمولية واستدامة، ومع قيادة استراتيجية مدروسة يبقى الأمل كبيراً في أن تواصل المؤسسة لعب دور محوري في تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية للقارة.