بريطانيا بعد بريكست: إعادة بناء العلاقات مع أوروبا لتعويض فقدان التواصل.

بعد أكثر من خمس سنوات من الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، تدخل بريطانيا مرحلة جديدة من التقارب مع شريكها التجاري الأهم. جاءت قمة 19 مايو أيار في بروكسل لتشكل نقطة تحوّل في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، في محاولة لرأب الصدع الذي أحدثه البريكست في الاقتصاد البريطاني، إذ تركت تداعياته بصمات واضحة على معدلات التضخم، والاستثمار، والإنتاجية.
لكن خلف هذه الاستقرار الظاهري تكمن تراجعات حادة في حجم الصادرات الحقيقية (بالكميات) سواء نحو أوروبا أو نحو بقية العالم. يعكس انخفاض الكميات بنسبة 18 في المئة بين 2019 و2024 تأثيرات البريكست، لكنه يعكس أيضاً فقداناً تدريجياً للقدرة التنافسية لصناعات بريطانيا أمام منافسين عالميين، خصوصاً من آسيا.
كانت أبرز القطاعات المتضررة الوقود والمشتقات (بتراجع 24 في المئة) والآلات والمعدات (بانخفاض 5.3 في المئة).في المقابل، أظهر قطاع الخدمات قدرة أكبر على التكيف، لا سيما في مجالات التكنولوجيا والملكية الفكرية والاتصالات، التي شهدت نمواً واضحاً في حجم صادراتها إلى أوروبا. ساهم هذا الأداء في تعزيز فائض الميزان التجاري للخدمات، ورفع حصة الخدمات من إجمالي صادرات المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي من 42 في المئة في 2019 إلى 51 في المئة في 2024، لتتخطى بذلك حصة السلع لأول مرة. لكن هذا الصعود في الخدمات لم ينجح في سد الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري الإجمالي بين الطرفين، إذ سجل العجز التجاري البريطاني مع أوروبا أرقاماً قياسية في النصف الأول من 2025.اقتصادياً، يمثل هذا «إعادة ضبط» للعلاقات التجارية خطوة إيجابية لبريطانيا، التي لم تنجح اتفاقاتها مع دول كبرى مثل الهند وأميركا في تعويض خسارتها لقربها الجغرافي من أوروبا.
ويُنتظر أن يسهم التعاون الجديد في ملفات الأمن والدفاع، عبر انضمام محتمل لبرنامج «SAFE» الأوروبي، إضافة إلى التفاوض بشأن دخول المملكة إلى سوق تداول الانبعاثات الكربونية الأوروبية، في تخفيف الأعباء الهيكلية التي فرضها البريكست على الاقتصاد، مع المحافظة على نقاط القوة البريطانية في قطاعات الخدمات المتقدمة.وكخلفية عامة للمنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يناير 2020، تكشّف تدريجياً حجم التحديات الاقتصادية التي خلفها الانفصال، من اضطرابات في سلاسل التوريد إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ الإنتاجية. وعلى الرغم من توقيع اتفاق تجارة حرّة مع الاتحاد في نهاية 2020، إلا أن العلاقات التجارية ظلت دون المستوى، وسط تراجع ثقة المستثمرين وتباطؤ صادرات السلع. اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف عقد على البريكست، يبدو أن لندن تسعى جدياً لإعادة التموضع اقتصادياً ضمن محيطها الأوروبي.