اليابان تواجه تحدياً مالياً مهماً مع زيادة عوائد السندات طويلة الأجل وانخفاض اهتمام المستثمرين.

تواجه الحكومة اليابانية وبنك اليابان خلال الأسابيع المقبلة قرارات حاسمة في ظل ارتفاع قياسي في تكاليف الاقتراض طويلة الأجل، وتقلص قاعدة المستثمرين في ديون البلاد، ما يعمّق المخاوف بشأن استقرار سوق السندات الحكومية، بحسب فايننشال تايمز.
ورغم انحسار التوتر نسبياً في الأيام الأخيرة، فإن الوضع الحالي أظهر ما وصفه محللون بأنه اختلال هيكلي بين العرض والطلب على السندات اليابانية، في ظل تراجع شهية المستثمرين، وهو ما قد يُثقل كاهل الأسعار مستقبلاً.
تراجع الطلب الهيكلي والتغيرات الديموغرافية
وقال كيفن تشاو، رئيس قسم السندات السيادية والعملات في شركة «يو بي إس لإدارة الأصول»: «لم يعد هذا الجيل بحاجة إلى الاستثمار على المدى الطويل، ومع ذلك فإن أغلب المسؤولين الحكوميين لم يدركوا بعد حجم هذا التغير الهيكلي»، مشيراً إلى أن الحكومة ما زالت تصدر سندات طويلة الأجل بكثافة.كما لم تعد شركات التأمين على الحياة مصدراً موثوقاً للطلب، إذ كانت قد زادت استثماراتها في السندات طويلة الأجل العام الماضي تحت ضغط تنظيمي، إلا أن متعاملين في السوق يرون أن هذا الاتجاه قد بلغ نهايته.
إشارات مقلقة من المزادات الأخيرة
شهد الأسبوع الماضي صعوداً في عوائد السندات لأجل 20 عاماً إلى 2.61 بالمئة عقب مزاد اعتُبر الأضعف منذ عام 2012، وتكرر الأداء الضعيف هذا الأسبوع في مزاد للسندات لأجل 40 عاماً، حيث سجل أدنى نسبة تغطية منذ يوليو الماضي، ما اعتُبر دليلاً إضافياً على ما يُعرف في السوق بـ«إضراب المشترين».
توجهات بنك اليابان ووزارة المالية
تأتي هذه التحديات في وقت يمضي فيه بنك اليابان قدماً في سياسة «تطبيع» السياسة النقدية، حيث رفع أسعار الفائدة إلى 0.5 بالمئة، وقلّص مشترياته من السندات بنحو 400 مليار ين (2.8 مليار دولار) كل ربع سنة منذ العام الماضي، ويخطط للاستمرار بهذا النهج حتى مارس 2026.وبينما تسود شكوك حول قدرة السلطات على الموازنة بين متطلبات التمويل العام -مع بلوغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 250 بالمئة- وبين سوق السندات الذي يحتكر بنك اليابان نحو 52 بالمئة منه، فإن الأنظار تتجه إلى أسبوع 16 يونيو باعتباره مفصلياً.إذ يُنتظر أن يعقد بنك اليابان اجتماعاً للجنة السياسة النقدية يستعرض فيه سياسة خفض شراء السندات، وسط توقعات بأن يعيد النظر في وتيرة هذا الخفض بهدف تهدئة تقلبات العوائد، كما تعتزم وزارة المالية خلال الأسبوع نفسه مناقشة خطط إصدار الدين مع المشاركين في السوق، وقد تتجه لتقليص الإصدارات في الشرائح الطويلة جداً.وقد تراجعت العوائد يوم الثلاثاء بعد أن تردد أن الوزارة بدأت التشاور مع المتعاملين الرئيسيين حول رؤيتهم لسوق السندات، في إشارة إلى احتمال إجراء تغييرات على سياسة الإصدار.
شكوك حول جدوى الشراء
قال محللو «جي بي مورغان» إن الارتفاع السريع في العوائد طويلة الأجل سيجعل مراجعة بنك اليابان المقبلة لسياسة التشديد الكمي ذات أهمية متزايدة، إلا أن بنجامين شاتيل، كبير الاقتصاديين في الشركة، رأى أن البنك متأخر عن الركب، إذ تدخل اليابان عامها الرابع من التضخم الذي يتجاوز الهدف المحدد.وأشار أيضاً إلى أن صندوق التقاعد الحكومي العملاق لم يرفع مخصصاته للأصول المحلية مقارنة بالأجنبية، فضلاً عن تراجع السيولة في القطاع المصرفي التجاري، وأضاف: «كل ذلك يطرح سؤالاً كبيراً: لماذا يشتري المستثمرون؟».
الإصدارات الطويلة تواجه اختبارات جديدة
من جهته، قال شينيتشيرو كادوتا، خبير استراتيجيات الفائدة والعملات في «باركليز» بطوكيو، إن ضعف مزاد السندات لأجل 40 عاماً، يوم الأربعاء، يضع وزارة المالية في دائرة الضوء، حيث سيكون لنهجها في التواصل بشأن الإصدارات المستقبلية دور كبير في تهدئة السوق.وأوضح أن المشكلات في سوق السندات طويلة الأجل ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر بروزاً اليوم بالتوازي مع جهود بنك اليابان للتطبيع المالي، والضغوط المحتملة لزيادة الإنفاق الدفاعي.كما أشار إلى أن انخفاض دخل شركات التأمين نتيجة تنافس منتجاتها مع حسابات الادخار الاستثمارية المعفاة ضريبياً -والمعروفة باسم «NISA»- يزيد من تراجع الطلب على السندات طويلة الأجل.واختتم بالقول إن من غير المرجح أن يتراجع بنك اليابان عن خفض مشترياته من السندات الحكومية، مضيفاً: «قد نشهد بعض التعديلات، لكن الحل يجب أن يأتي من وزارة المالية من خلال تقليص الإصدارات».