اهتمام غير متوقع.. هل تكون المعادن النادرة في «غرينلاند» استراتيجية ترامب للحد من نفوذ الصين؟

في عالم تحكمه الموارد وتُصاغ فيه السياسات حول الكنوز المدفونة في أعماق الأرض، برزت غرينلاند فجأة كأحد أهم مفاتيح اللعبة الجيوسياسية، ومع تجدد أطماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ضمّ الجزيرة الدنماركية الغنية بالمعادن النادرة، تعود الأسئلة لتُطرح بشأن الأهداف الحقيقية من هذا الاهتمام المتصاعد: هل مجرد خطوة توسعية؟ أم محاولة أميركية لكسر قبضة الصين المحكمة على سوق المعادن الاستراتيجية التي تُعد شرياناً حيوياً لصناعات التكنولوجيا والدفاع؟
وتكمن أهمية غرينلاند في احتوائها على موارد طبيعية ضخمة، أبرزها المعادن النادرة، التي تُعد من المواد الحيوية للصناعات الحديثة، وتوجد بكميات كبيرة تحت طبقاتها الجليدية، كما أعلن ترامب عن توقيع «اتفاق معادن نادرة» مع أوكرانيا.
الصين تحتكر السوق العالمية للمعادن النادرة
ما المعادن النادرة؟
تتكون المعادن النادرة من 17 عنصراً معدنياً في الجدول الدوري، أبرزها السكانديوم، والإيتريوم، واللانثانيدات. ورغم اسمها فإنها ليست نادرة جداً في الطبيعة، بل توجد في قشرة الأرض بكثرة أكبر من الذهب، لكنها صعبة الاستخراج ومكلفة في المعالجة وتؤثر سلباً على البيئة.
استخدامات المعادن النادرة في التكنولوجيا والدفاع
تدخل المعادن النادرة في تصنيع عدد هائل من الأجهزة والأنظمة الحديثة، مثل الهواتف الذكية، وشاشات التلفاز المسطحة، والتوربينات الهوائية، والإضاءة الموفرة للطاقة. كما تُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية وأجهزة الرنين المغناطيسي، وحتى في علاج السرطان.أما على المستوى العسكري، فهي ضرورية في تصنيع الطائرات المقاتلة، والغواصات، والصواريخ، والأقمار الصناعية، وأنظمة الليزر، وفقاً لتقرير بحثي صدر عام 2025 عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.
الصين تهيمن على الإنتاج والمعالجة
وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، تنتج الصين 61 في المئة من إجمالي المعادن النادرة المستخرجة عالمياً، وتُسيطر على 92 في المئة من عمليات معالجتها. وتنقسم المعادن النادرة إلى قسمين: خفيفة وثقيلة، وتُعد الثقيلة أكثر ندرة وأصعب في الفصل بعد الاستخراج، وهي عملية لا تمتلك الولايات المتحدة حالياً القدرة الكافية على تنفيذها.أوضحت غراسلين باسكران، مديرة برنامج أمن المعادن الحيوية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، أن ما كانت تُنتجه أميركا من هذه المعادن في ولاية كاليفورنيا كانت تُرسله للصين لفصله.
هل تستطيع أميركا الاستغناء عن الصين؟
رغم وجود منجم أميركي واحد فقط للعناصر النادرة في ولاية كاليفورنيا، فإن الولايات المتحدة لا تملك حتى الآن القدرة على فصلها ومعالجتها.ووفقاً لغرايسلين باسكاران، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن كل ما كانت أميركا تستخرجه كانت ترسله إلى الصين للمعالجة. لكن بعد فرض ترامب تعريفات جمركية مشددة على الصين في أبريل، تعطلت هذه السلسلة، وسط مخاوف من أن بكين تستخدم هذه الهيمنة كسلاح اقتصادي.
حرب تجارية متصاعدة ومخاوف من قطع الإمدادات
في منشور عبر منصة «تروث سوشيال»، اتهم ترامب الصين بانتهاك اتفاق تهدئة تجارية أُبرم مؤخراً في جنيف، إذ حافظت بكين على قيود التصدير المفروضة على سبعة أنواع من المعادن النادرة ومنتجاتها. وتُعد هذه القيود رداً مباشراً على الرسوم الجمركية التي أعلنتها واشنطن في أبريل.وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن 70 في المئة من واردات الولايات المتحدة من معادن نادرة خلال الفترة بين 2020 و2023 جاءت من الصين، ما يُبرز حجم التبعية الأميركية في هذا القطاع الحساس.
المعادن النادرة كأداة جيوسياسية
لا تقتصر استراتيجية المعادن النادرة الأميركية على الصين فحسب، بل تمتد إلى ملفات سياسية وجيوسياسية مع دول وأقاليم أخرى مثل أوكرانيا وغرينلاند. ومع ذلك، تؤكد باسكاران أن الصناعة التعدينية في أوكرانيا لا تزال في مراحلها الأولية، ولا توجد بعد خرائط اقتصادية واضحة توضح مدى جدوى الاستثمار فيها.