عائق التمويل يعيق مساعي تطوير السلاح النووي الأوروبي الموحد

القوتان النوويتان الوحيدتان في أوروبا، فرنسا والمملكة المتحدة، لا تملكان المال الكافي لمواكبة طموحات قادتهما، كما أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متفقان على رفع ميزانيات الدفاع، إلى جانب زملائهما أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بما يتجاوز بكثير نسبة الـ2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي التي ينفقونها حالياً، ولكن الزعيمين يواجهان صعوبة في إيجاد الموارد اللازمة لتطوير القدرات العسكرية للقارة الأوروبية.تنبع حاجة الأوروبيين إلى التفكير في إنشاء ترسانة نووية مستقلة من تزعزع الشعور بالتزام الولايات المتحدة بالدفاع الإقليمي، ولكن هذه الحاجة يواجهها عدد من المشكلات، مثل أن الردع النووي يحتاج إلى فرد واحد يمسك بزمام الأمور، وليس قراراً من لجنة أو قمة مطولة تجمع القادة، لكن المشكلة الأكبر هي أن تمويل مظلة نووية مستقلة يُعدّ اقتراحاً مكلفاً، ولن ينجح إلا بآلية تمويل مشتركة.
يأمل ماكرون وستارمر في أن يسهم نظيرهما الألماني فريدريش ميرز في سداد معظم هذه التكلفة، في إطار طرح «مبادلة الديون بالقنابل».
وقد خالف المستشار الألماني تقاليد بلاده بالفعل من خلال حثّ أوروبا على تعزيز دفاعها في ضوء انخفاض الثقة في الولايات المتحدة، وتحدث عن تقاسم المظلة النووية مع فرنسا والمملكة المتحدة، كما أن حكومته قد استثنت الإنفاق الدفاعي المُستقبلي من قيود سقف الدين، لكن لا يوجد سبب يدفع برلين إلى تحمّل معظم العبء النووي.من المرجح أن تقفز ميزانية الدفاع الألمانية من 80 مليار يورو إلى 100 مليار يورو العام المقبل، وفقاً لبنك دويتشه، لكن التزامها بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية سيحظر التمويل المباشر لترسانة نووية.وحتى لو تم إنفاق إن إنفاق 140 مليار يورو سنوياً على الردع النووي، فهذا لن يكون إلّا عملية تصعيد بطيئة تستغرق سنوات عديدة حتى نرى ثمارها.
خيارات بديلة
لا توجد حاجة فورية للأوروبيين لإنفاق النسبة نفسها من ميزانيتهم العسكرية على الأسلحة النووية مثل فرنسا والمملكة المتحدة، فهناك خيار أرخص على المدى القصير يتمثل في توسيع نطاق حماية الدولتين النوويتين لتشمل بقية أوروبا، لأنه من المُفترض أن أي تهديد للمصالح الحيوية لأحد أعضاء الناتو هو تهديد لمصالحهما الخاصة.لكن هناك نفقات إضافية، حيث تحتاج فرنسا وبريطانيا إلى زيادة ترسانتهما التي تقل عن 600 رأس حربي، وهو عدد ضئيل مقارنة بـ4400 رأس حربي روسي.ورغم أن تكاليف هذه الرؤوس الحربية سرية، لكن بناءً على متوسط تكلفة الأسلحة الأميركية المماثلة، فإن مضاعفة الترسانة الحالية قد تكلف ما يقرب من 10 مليارات يورو وتستغرق سنوات عديدة، وفقاً لتصريح خبير أوروبي لوكالة رويترز.أمّا السيناريو الأكثر تكلفة فيتمثل في إضافة الأوروبيون طبقة جديدة من الأسلحة إلى الترسانتين الفرنسية والبريطانية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال شراء أسطول من الغواصات التقليدية المسلحة برؤوس نووية.وفقاً لورقة بحثية قادمة من بروغل بقلم أندريا جيلي وفرانشيسكو نيكولي، اطلعت عليها رويترز، سيكون هذا الخيار الأكثر تكلفة، حيث تبلغ تكلفة 10 غواصات من هذا النوع حوالي 30 مليار يورو، دون احتساب تكلفة الصواريخ والرؤوس الحربية، كما سيكون خيار أكثر تعقيداً لأنه يتطلب تعديلاً لمعاهدات سابقة واتفاقاً بالإجماع على قيادة موحدة لهذه الأسلحة يصعب التوصل إليها.وتحتاج أوروبا أيضاً إلى زيادة عدد الطائرات المقاتلة القادرة على حمل القنابل النووية، وقد اقترح ماكرون بالفعل نشر طائرات رافال الفرنسية القادرة على حمل الرؤوس النووية في ألمانيا.وتصل تكلفة مضاعفة عدد الطائرات من هذه النوعية التي يشغلها سلاح الجو الفرنسي إلى نحو 100 طائرة إلى 10 مليارات يورو، بناءً على عقود رافال الأخيرة مع إندونيسيا والإمارات العربية المتحدة.ومع تزايد التعاون في مجال الردع النووي، سيتعين أيضاً إنفاق موارد كبيرة على أبحاث وتطوير الجيل القادم من الغواصات والطائرات والصواريخ والرؤوس الحربية.ومن المفترض أن يعتمد التمويل المُقترح للردع الأوروبي على أداة تمويل مشتركة تشمل جميع الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، الذين سيتحملون المسؤولية بما يتناسب مع ناتجهم المحلي الإجمالي، وليس قربهم من خط المواجهة الروسي.(رويترز)