تقرير مثير للدهشة: عدد المستثمرين يتخطى عدد المؤسسين في مجال الشركات الناشئة بالمنطقة

في وقت تستمر فيه الصناديق السيادية والمؤسسات المالية بضخّ المليارات في النظام الاستثماري بالمنطقة ظهرت -وفق تقرير دليل بيانات الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي يصدر سنوياً عن شركة الأبحاث «كلير وورلد»- مفارقة مقلقة مفادها أن «الأموال متوفرة، لكن الأفكار شحيحة».
حقائق واستنتاجات
وكشف دليل بيانات المراحل المبكرة، ولأول مرة، عن تجاوز عدد المستثمرين النشطين عدد الشركات الناشئة المؤسسة حديثاً، ومردّ هذا الانفصال بين العرض والطلب لا ينبع من ضعف في التمويل، بل من تراجع في جاذبية ريادة الأعمال في بيئة اقتصادية تتسم بالمخاطر العالية والتكاليف المتصاعدة.وشرح ربيع قائلاً: «روّاد الأعمال التقنيون اليوم عالقون بين تكاليف تشغيلية مرتفعة وسلوك استهلاكي متغيّر نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، أمام هذه المعادلة، يفضّل كثيرون دخول سوق العمل بدلاً من خوض مغامرة تأسيس شركة ناشئة».وشرح «يجد مؤسسو شركات التكنولوجيا أنفسهم بين المطرقة والسندان، فمن جهة تُعتبر التكاليف التشغيلية المرتفعة عائقاً كبيراً يجعل بناء شركات تقنية قابلة للتوسع أمراً مكلفاً للغاية، بغض النظر عن حجم التمويل المتاح، ومن جهة أخرى يتغيّر سلوك المستهلكين نتيجة الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة. وأمام هذا الواقع الصعب، يختار العديد من المؤسسين التخلّي عن مسار الشركات الناشئة والانخراط في سوق العمل، حيث يكون مستوى المخاطرة أقل».وأضاف «تعكس هذه الظاهرة تأثيرات عوامل اقتصادية كبرى، مثل ارتفاع أسعار الفائدة والاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية نتيجة التغيّرات المستمرة في أنظمة التجارة العالمية، وتُظهر البيانات أن ضخ المزيد من التمويل لم ينجح في معالجة هذه الأزمة، بل خلق حالة اختلال مثيرة للاهتمام: مزيد من المال، مزيد من المشكلات».وقال «يترتب علينا التفكير في طرق جديدة لجعل مسار تأسيس الشركات خياراً مهنياً قابلاً للتطبيق لمواهب التكنولوجيا في المنطقة خلال التحديات الاقتصادية العالمية، من بين الاقتراحات الممكنة: تخفيف القيود التي يفرضها المستثمرون على فرق التأسيس، كأن يُسمح للمؤسس بالعمل بدوام جزئي على شركته الناشئة مع الاستمرار في وظيفة نهارية، بشرط استخدام الذكاء الاصطناعي للحفاظ على الكفاءة التشغيلية، وهذا يضع مسؤولية كبيرة على حاضنات ومسرّعات الأعمال لتدريب موجة جديدة من الشركات المعززة بالذكاء الاصطناعي حيث يصبح هذا الأخير عنصراً أساسياً في الإدارة والتشغيل».سوق محشورة وأشارت بيانات “كلير وورلد” إلى أن ما يقارب 30% من الشركات الناشئة في مرحلة Series A مهددة بالشطب بحلول 2026، في ظل صعوبة انتقالها إلى مراحل التمويل التالية.وأوضح ربيع «أزمة تمويل الفئة A في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُعدّ صداعاً مزمناً منذ العقد الماضي، ويرجع ذلك أساساً إلى صغر حجم الأسواق الاستهلاكية القابلة للنمو في المنطقة، نظرياً تشكل المنطقة سوقاً ضخمة، لكن عملياً لا تملك سوى بعض الدول القدرة على توليد حجم أعمال يسمح للشركات الناشئة بالنمو السريع، وإذا لم تستطع الشركة الناشئة تحقيق نمو كبير، فإنها تظل عالقة في مرحلة الفئة A».وأفاد بأن المنطقة بحاجة إلى جسر يربطها بأسواق عالمية أكبر، ما يعني أنه على الشركات الناشئة أن تكون مهيّأة للتنافس عالمياً، وهنا يأتي دور برامج تصدير التكنولوجيا، التي يجب أن تتصدّر أجندة صنّاع القرار لتجاوز هذه العقبة في منتصف مسار النمو.وأضاف «تحاول السعودية حل هذه المعضلة من خلال استراتيجيات مثل الاستحواذات عبر شركات الملكية الخاصة، وطرح الشركات في سوق “تداول”، وقد ساعد ذلك فعلاً على تحسين أوضاع الفئة A في السنوات الأخيرة، لكن التأثير كان مؤقتاً، ويرى البعض أن السبب يعود إلى طموح السعودية في ولادة 40 شركة يونيكورن في المنطقة خلال العقد المقبل، لكنها حدّدت لنفسها أهدافاً وطنية أقل من ذلك، ما يعني أن دعم عدد محدد من الشركات القابلة للتوسع قد يكون أكثر منطقية من محاولة إصلاح خلل بنيوي شامل».واجهة الذكاء الاصطناعي وبحسب التقرير، لم يتجاوز عدد الشركات الناشئة الفعلية التي تأسست في مجال الذكاء الاصطناعي خلال عام 2024 أكثر من 33 شركة، بينما قامت 43 شركة قائمة بإعادة تصنيف نفسها كشركة “ذكاء اصطناعي” عبر إضافة ميزة مولدة أو واجهة ذكية. وقال ربيع «الذكاء الاصطناعي الذي يتهافت عليه المستثمرون حالياً يشير -في الغالب- إلى تقنيات تتيح للمستخدم التفاعل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي أو الآلي، من دون أن تكون الشركة بالضرورة جزءاً من أبحاث البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي، هذا التعريف المبسّط لـ«الذكاء الاصطناعي» سهّل على العديد من الشركات الناشئة إعادة تصنيف نفسها كـ«شركة ذكاء اصطناعي»، فكثير منها أضاف ميزة توليدية بسيطة وغير محورية، ثم أعاد تقديم نفسه للمستثمرين بهذا التصنيف».وأضاف ربيع «لكن بعيداً عن علاقتها بالمستثمرين، أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم معياراً صناعياً، حيث غيّر الذكاء الاصطناعي التوليدي طريقة استخدام الناس للتكنولوجيا، فالمستخدم يتوقّع الآن رؤية مساعد ذكي أو ميزة توليدية في كل تطبيق يفتحه، وتتسارع هذه الظاهرة مع تركيز شركات تصنيع الهواتف على ما يسمى (ثورة واجهة المستخدم القائمة على الذكاء الاصطناعي)».ونتيجة لذلك، باتت كل شركات التكنولوجيا مضطرة لتبني هذا المعيار الجديد، وقريباً لن تبقى شركة تقنية دون دعم بالذكاء الاصطناعي، ومع ذلك فإن إعادة تصنيف الشركة كـ«شركة ذكاء اصطناعي» لا تُستخدم فقط كوسيلة للبقاء، بل أيضاً كفرصة لإعادة إحياء العلامة التجارية وتحفيز اهتمام المستهلكين، إنها خطوة تعزز القيمة السوقية للعلامة التجارية.