سندات منخفضة التصنيف: كيف يمكن أن تتحول الأزمات الوطنية إلى فرص ربحية؟

لا تعني المخاطرة دائماً الخسارة في الأسواق المالية، بل أحياناً تكون فرصة لتحقيق عوائد أكبر، وهذا هو جوهر الاستثمار فيما يعرف بـ«سندات الخردة»، وهي أدوات دين تصدرها حكومات أو شركات ذات تصنيفات ائتمانية منخفضة، وغالباً ما ترتبط بأسواق ناشئة تمر بأزمات اقتصادية أو سياسية.
التربح من الأزمات.. كيف يحدث؟
هنا يظهر مستثمرو سندات الخردة، أو ما يُعرف أحياناً بـ«صقور الديون»، ليشتروا هذه السندات بأسعار زهيدة على أمل أن تعيد الدولة سداد ديونها جزئياً أو كلياً في المستقبل، أو يتمكنوا من فرض تسوية قانونية تجبر الدولة على الدفع، كما حدث في أزمات اليونان والأرجنتين وزامبيا فيما مضى.
ومع تصاعد المخاوف من تجدد الحروب التجارية، وتقلّب أسعار السلع، وديون الأسواق الناشئة المرتفعة، تتسارع الشركات الأميركية ذات التصنيفات الائتمانية عالية المخاطر إلى بيع سندات «الخردة» قبل تجدد التوترات التجارية المتوقع في يوليو تموز 2025، والتي قد تُضعف الطلب على ديون الشركات.
أزمات الدول وسندات الخردة
إليوت مانجمنت والأرجنتينتُعد الأرجنتين من أبرز الأمثلة على حالات ربح الشركات من الأزمات، ففي أعقاب إعلانها الإفلاس عام 2001، عرضت الحكومة على الدائنين تسوية جزئية للديون، وهو ما وافق عليه معظمهم، لكن صندوق إليوت مانجمنت الأميركي رفض، واشترى سندات بقيمة سوقية منخفضة، ثم رفع دعوى قضائية ضد الحكومة الأرجنتينية في محاكم نيويورك، وطالب بالسداد الكامل.وبعد سنوات من النزاع القضائي، حصل الصندوق عام 2016 على أكثر من 2.4 مليار دولار مقابل سندات كان قد اشتراها بأقل من 600 مليون، محققاً أرباحًا تُقدّر بـ400 في المئة، لتشكل هذه الصفقة واحدة من أشهر قصص الربح من ديون الدول المفلسة.اليونان.. صفقة الأزمة الأوروبيةظهرت الاستفادة من سندات الخردة مرة أخرى خلال أزمة الديون السيادية لليونان عام 2012، عندما اضطرت الحكومة إلى طرح خطة إعادة هيكلة لديونها، ما كبد معظم حاملي السندات خسائر فادحة.ومع ذلك نجحت بعض الصناديق، مثل دارت مانجمنت، وأوريليوس كابيتال في تجنب إعادة الهيكلة واشتروا سندات بأسعار متدنية قبيل التسوية، ليحققوا عوائد تجاوزت 100 في المئة بعد إعادة تقييم الديون باليورو الجديد، في وقت كان فيه أغلب الدائنين يتكبدون خسائر فادحة.زامبيا.. أرباح على حساب الدولةأعلنت زامبيا في 2020 تعثرها عن سداد سندات دولية بقيمة 3 مليارات دولار، وبدأت إعادة هيكلة عبر «نادي باريس» ومؤسسات التمويل، إلا أن بعض حاملي السندات التجارية (التي تُصنف كخردة) تفاوضوا منفردين للحصول على شروط أفضل، مستغلين حاجتها إلى دعم من صندوق النقد، وتحقيق عوائد أعلى.وبينما دخلت الحكومة في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإعادة الهيكلة، اشترت بعض الصناديق سنداتها بنحو 45 سنتاً للدولار الواحد، وبمجرد تحسن التوقعات الاقتصادية، ارتفعت قيمة السندات إلى أكثر من 70 سنتاً، ما منح المستثمرين أرباحاً كبيرة دون أن تقدم الدولة تنازلات كبرى بعد.
موجة جديدة في 2025؟
في تطور لافت، تسارعت الشركات الأميركية ذات التصنيفات الائتمانية عالية المخاطر إلى إصدار سندات «الخردة»، لتصل مبيعاتها إلى نحو 40 مليار دولار منذ بداية مايو أيار 2025 فقط. ويعكس هذا التسارع رغبة تلك الشركات في جمع التمويل بسرعة قبل تجدد التوترات التجارية المتوقع في يوليو تموز المقبل، وهي توترات قد تؤدي إلى تقلبات حادة وتراجع في شهية المستثمرين.وتخشى الأسواق من نهاية فترة الإيقاف المؤقت لما يُعرف برسوم «يوم التحرير» بعد 90 يوماً، ما قد يُعيد إشعال النزاعات التجارية ويُضعف الطلب على الديون عالية المخاطر، ولهذا تسعى الشركات لبيع أكبر قدر ممكن من هذه السندات قبل حلول هذا الموعد.لكن في الوقت ذاته، يرى بعض المستثمرين في هذه اللحظة فرصة نادرة، إذ يسعون إلى شراء السندات الآن على أمل إعادة بيعها بعوائد أعلى عند تعافي الأسواق أو عند حدوث عمليات إعادة هيكلة قد تُعيد تقييم قيمة تلك السندات، وكما أثبتت الأزمات السابقة، فإن المغامرة أحياناً قد تُترجم إلى أرباح غير متوقعة.