الخطط بين تل أبيب وطهران

الخطط بين تل أبيب وطهران

في فجر الجمعة، وجّهت إسرائيل ضربة نوعية إلى العمق الإيراني، استهدفت منشآت عسكرية واستخباراتية داخل العاصمة طهران، في تطور يعكس تحوّلًا واضحًا من أسلوب “الحرب في الظل” إلى سياسة الردع العلني والمباشر. لم يكن الهجوم مجرد ردّ على تهديد، بل إعلان استراتيجي صريح بأن قواعد الاشتباك تغيّرت، وأن سياسة الاستباق أصبحت الخيار المفضل في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

ومن خلال هذه الغارات، أرادت تل أبيب أن تؤكد لإيران والعالم أن أي اقتراب إيراني من العتبة النووية لن يُواجه بالتحذيرات، بل بالفعل. في المقابل، لم تصدر إيران ردًا عسكريًا مباشرًا، بل اكتفت بتصريحات غامضة توعّدت فيها بردّ محسوب، وهي لغة تعكس حذرًا مدروسًا وترددًا في التصعيد المباشر، في ظل توازنات إقليمية ودولية شديدة التعقيد.

لقد بات واضحًا أن الطرفين يعيدان بناء استراتيجياتهما في ضوء تحولات المشهد الإقليمي؛ فتل أبيب تنطلق من عقيدة أمنية ترتكز على التفوّق النوعي والضربات الاستباقية الخاطفة، بينما تعتمد طهران على عقيدة التمدد التدريجي والنفس الطويل، وتوظيف الوكلاء والفضاءات الرمادية. هذا التباين العميق لا يعني التباعد، بل التقاطع؛ فكل منهما يدرك الآخر، ويتعامل معه بمنطق الحرب المستمرة، لكن غير المعلنة.

الغارات الأخيرة لم تكن مجرد استعراض قوة، بل رسالة حاسمة بأن الحرب قد لا تُعلن لكنها قائمة، وأن الظل لم يعد مكانًا آمنًا لمراكمة النفوذ دون ردّ. في هذا السياق، تصبح الحرب ليست فقط أداة صراع، بل أداة تفكير استراتيجي تُبنى عليها التحالفات، وتُختبر بها المواقف الدولية، وتُرسم من خلالها خرائط النفوذ القادمة.

وإذا كانت إسرائيل قد فتحت باب التصعيد، فإن شكل الردّ الإيراني المقبل سيحدد إن كنا أمام جولة جديدة من الاحتواء المتبادل، أم على أعتاب انفجار كبير في قلب الشرق الأوسط.