استراتيجية في جملة واحدة

قبل سنوات طويلة تلقيت عرضاً لمنصب قيادي في إحدى الشركات. وفي اجتماعي مع الرئيس التنفيذي وفريقه كان من الواضح جداً أن الصورة المستقبلية ليست واضحة لهم وأن كل الحديث ينصب على احتياجهم لميزانية كبيرة لاستقطاب شركة استشارية أجنبية مشهورة لصياغة الإستراتيجية الجديدة. قررت الاعتذار عن قبول العرض خاصة مع عدم ارتياحي للثقافة المؤسسية وطريقة العمل. وصادف أن قابلت أحد أعضاء مجلس إدارة تلك الشركة والتي تغير فريقها التنفيذي عدة مرات نتيجة إعفاءات أو استقالات. لكن المشكلة الكبرى كانت في الميزانيات الهائلة والأوقات الطويلة والجهود المبذولة من الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة لمناقشة الإستراتيجيات مع المستشار الخارجي. وفي كل مرة يتغير فيها الرئيس التنفيذي أو مجلس الإدارة يدخل الجميع في نفس السيناريو والمناقشات البيزنطية النظرية.
لكن يبقى السؤال الأهم: ماذا حصل للشركة؟ في الواقع وللأسف سجلت خسائر كبيرة وأداء ضعيفاً في خدماتها ومشاريعها المختلفة في الوقت الذي حققت فيه شركات منافسة في نفس القطاع نجاحات كبيرة. ولا شك أن هنالك عوامل عديدة خلف هذه النتيجة. لكن من أهم تلك العوامل هو ضياع الإدارة في متاهات الإستراتيجية.
بكلمة أخرى، عندما يتشتت الموظفون والفريق الإداري من تنفيذ المشاريع والتوسع في العمليات والمبيعات وضبط الجودة والابتكار والتسويق إلى اجتماعات طويلة مرهقة مع الشركات الاستشارية والإدارات العليا لمناقشات عقيمة في إستراتيجيات نظرية بعيدة عن الواقع وغير قابلة للتنفيذ فاعلم أن الإدارة تعيش في حالة ضياع في متاهة الإستراتيجية.
ولتوضيح الصورة أكثر فهنالك علامات لحالة التيهان الاستراتيجي ومنها:
الفريق التنفيذي لا يستطيع شرح الإستراتيجية أو الدفاع عنها وإقناع الآخرين بها مع اعتماد كامل على الشركة الاستشارية.
لا يمكن تبسيط الإستراتيجية في نقاط بسيطة واضحة.
عدم التواؤم بين الإدارات والأقسام بل والوصول إلى مرحلة الحروب الداخلية على السلطات والنجاحات.
لا يوجد أي اختلاف في طريقة العمل أو الميزانيات أو المزايا بعد إعلان الإستراتيجية.
ومن أوضح العلامات إذا رأيت ظاهرة “الموت بالباوربوينت” والتي تتمثل في المدير أو الرئيس التنفيذي الذي يتحدث أمام موظفيه وفريقه ويفشل تماماً في جذب انتباههم من خلال عرض الإستراتيجية وغيرها من الخطط والمشاريع. بالمقابل ستجد أمامك عرض باوربوينت عبارة عن شرائح مليئة بالكلمات والرسوم البيانية الصعبة الفهم، والمتحدث الذي يقرأ بشكل رتيب وممل من العرض التقديمي.
وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف نضمن عدم ضياع الإدارة في متاهة الإستراتيجية؟ هنالك عدة حلول وخطوات ومن أهمها:
وجود فريق تنفيذي وإدارة عليا سواء كلجنة إشرافية أو مجلس أمناء من أعضاء لديهم تجارب عملية وليسوا منظرين أو ليس لديهم أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمجال عمل المنظمة.
تحديد إطار زمني وميزانية مخصصة لتطوير واعتماد الإستراتيجية وخطتها التنفيذية والحرص على متابعة وتقييم الأداء للمبادرات والمشاريع.
القدرة على تلخيص الإستراتيجية في نقاط بسيطة سهلة الفهم لجميع منسوبي المنظمة.
وكما تقول الخبيرة هولي جوينت عن الإستراتيجيات:” ما لم تتمكن من ذكر ثلاثة إلى خمسة أشياء جديدة بدأت بها وثلاثة إلى خمسة أنشطة أو مشاريع أوقفتها وقتلتها لتحقيق ذلك، فإن الأمر يصبح مجرد محاكاة غير واقعية”.
وبطبيعة الحال، فليس من الصواب أن تتحرك المنظمات بدون رؤية واضحة أو إستراتيجية ويكون الأمر تحت رحمة الاجتهادات الشخصية للمديرين دون متابعة أو تقييم.
وباختصار، لا بأس أن تستعين بالخبراء والمستشارين وتمضي وفق إستراتيجية، لكن الإستراتيجية ليست هدفاً بل وسيلة لتحقيق النجاح والاستدامة للمنظمات. وذلك يتطلب القدرة على تبسيطها في عبارات سهلة واضحة مربوطة بتنفيذ وأفعال يلتزم بها الجميع.
وختاماً، سطر واحد يفهمه وينفذه الجميع خير من أقوى وأفضل العروض التقديمية المطولة للخطط الإستراتيجية.