العدالة لا تفقد قوتها مع مرور الزمن

مواصلة إنكار جرائم الصهيونية، وقوات الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني لن تجدي نفعاً، ولن تلغي الحقيقة أو تطمس الذاكرة، فالتاريخ لا يُمحى، والعدالة لا تسقط بالتقادم، وإننا نقف اليوم لنتابع وقائع الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين، والتي فاقت كل التصورات وكل توقعات المجتمع الدولي، حيث يرتكب الاحتلال الوحشي جرائمه على مسمع العالم دون أن يُحرّك ساكناً.
جرائم الاحتلال المتواصلة، وحرب الإبادة والتهجير، وعملية التطهير العرقي، وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة، واستخدام الجوع كأداة حرب، واستهداف المستشفيات، ومنع إدخال الطعام والماء والدواء، ومواصلة ارتكاب جرائم وانتهاكات قوات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، والتي تشمل مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني، إضافة إلى سياسة الحصار والتدمير الممنهج للممتلكات، وتهجير أكثر من 50 ألف مواطن من مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية، وسياسة الإرهاب الممنهج التي يقوم بها المستعمرون، وسياسة استهداف وتقويض دور الأونروا، وإجراءات تهويد مدينة القدس، والاعتداءات على الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية، ورجالات الدين، والتي تهدف جميعها لتقويض فرصة تطبيق حل الدولتين وتهجير الشعب الفلسطيني.
مجازر الاحتلال التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة بشكل يومي، بحق شعب أعزل يعاني حصاراً خانقاً وتجويعاً متعمداً، ويُقتل أثناء سعيه إلى الحصول على لقمة البقاء، ليست حوادث معزولة، بل هي استراتيجية إبادة ممنهجة، تُستخدم فيها أدوات الحصار والتجويع لاستدراج المدنيين إلى مصايد القتل تحت مسميات مضللة مثل “الإغاثة” و”الممرات الآمنة”، التي باتت تُدار كمسار تصفية جسدية جماعية، وأن هذه الجرائم تمثل تحولاً خطيراً في قواعد الإبادة وطرائقها، إذ يتحول الخبز إلى مصيدة، والمساعدة الإنسانية إلى موت، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الدولية واتفاقيات جنيف، وخاصة ما يتعلق بحماية المدنيين في مناطق الصراع.
حكومة الاحتلال تتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذه المجازر، وإن الصمت الدولي، والتغطية السياسية والعسكرية التي توفّرها الإدارة الأميركية لحكومة الاحتلال، يُسهِمان في استمرار الجريمة، ويجعلان من المجتمع الدولي شريكاً في معاناة الفلسطينيين. ويجب على الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، التحرك الفوري لإجراء تحقيقات مستقلة، وفرض حماية دولية عاجلة على المدنيين في قطاع غزة، ومحاسبة مرتكبي المجازر أمام العدالة الدولية، وإسناد توزيع المساعدات الإغاثية والإنسانية كما كانت سابقاً إلى منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والأممية.
آن الأوان لتحرك دولي حقيقي وفاعل لوقف الظلم التاريخي والمأساة المستمرة، التي أصبحت وصمة عار في جبين الإنسانية. وإن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ تسعة عشر شهراً، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، ودمرت منازلهم وبنيتهم التحتية، وهجّرت قسراً وبشكل متكرر أكثر من 1.9 مليون فلسطيني داخل القطاع، ليست سوى استمرار لنكبة لم تتوقف فصولها منذ عام 1948.
الشعب الفلسطيني، الذي يواجه تلك الجرائم بقوة حقه في فلسطين، لن ولم يركع، وهو مصرّ على الصمود ونيل حقوقه، وإن النكبات المتلاحقة وممارسات الاحتلال بحقه ستبقى وصمة عار على جبين الإنسانية، والاحتلال لن ولم يكن قدراً محتوماً لشعب فلسطين. وإن حق العودة، وحق تقرير المصير، واستقلال الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، هي حقوق ثابتة وغير قابلة للتصرف، يكفلها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولن يتخلى عنها الشعب الفلسطيني، وكل من تضامن معه عبر التاريخ.