أطفال الشرق الأوسط: معاناة النزاعات وآلام المستقبل

أطفال الشرق الأوسط: معاناة النزاعات وآلام المستقبل

وسط منطقة مشتعلة بالتوترات، يكبر جيل من أطفال الشرق الأوسط في ظلال الخوف، لا يعرفون الاستقرار، ولا يملكون رفاهية الطفولة الآمنة. تُكتب أعمارهم بين دفاتر الامتحانات وصفارات الإنذار، وبين دروس مدرسية تتخللها أخبار عاجلة عن قصف هنا أو توتر هناك.

في صفوفي، حيث أدرّس طلابًا تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، أراهم يمزجون بين أسئلة المنهج ومخاوف المصير. يتحدثون أحيانًا عن امتحاناتهم الرسمية، وأحيانًا عن احتمالات اندلاع حرب جديدة في المنطقة. وكلما حلّ الليل، يعودون إلى بيوتهم بلا يقين مما قد يأتي به الغد.

ومنذ أيام، اندلع تصعيد عسكري جديد بين إسرائيل وإيران، أضيف إلى سلسلة النزاعات المتلاحقة التي تُلقي بظلالها على حياة المدنيين، وخاصة الأطفال. هذا التصعيد لا يشكّل حدثًا منفصلًا، بل فصلًا إضافيًا من كتاب الشرق الملتهب، الذي يكتب سطوره بأحبار من الدم والرماد.

قال لي نور، وهو طالب في الصف الثاني عشر: “أخاف من صوت الطائرات، لكن خوفي الأكبر أن أخسر حلمي بأن أدرس الإعلام.” بهذه الكلمات اختصر معاناة جيل لم يعرف الاستقرار منذ ولادته.

في لبنان، مثلًا، لم يكن هذا العام الدراسي عاديًا. عايش الطلاب حربًا صامتة وصاخبة في آن واحد، بين الخوف من القصف، والانقطاع عن المدرسة، وتراجع إمكانات التعليم الرسمي. تكررت عمليات التهجير في الجنوب والضاحية الجنوبية، وتحوّلت بعض المدارس إلى ملاجئ، بينما غابت أخرى بفعل القصف. تغيّرت ملامح قرى ومدن، لم يعد الطريق نفسه، ولا الحي نفسه، ولا الصباحات التي تبدأ بجرس المدرسة كما كانت.

وبالرغم من تغيّر الجغرافيا، فإنَّ الثابت الوحيد هو قلق الأطفال، وهو قلق لا يقتصر على لبنان، بل يتكرر بصيغ مختلفة في سوريا، فلسطين، اليمن، العراق، وحتى في بعض مناطق إيران وإسرائيل، حيث تسرق السياسة راحة الطفولة، وتحاصرها بقرارات الكبار.

وفقًا لتقارير اليونيسف، تم توثيق أكثر من 315 ألف انتهاك جسيم بحق الأطفال في مناطق النزاع منذ عام 2005، بينها أكثر من 120 ألف وفاة أو إصابة مباشرة. كما يعيش أكثر من 60 مليون طفل في مناطق نزاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحدها.

في المقابل، تُبرز المقارنة مع دول مثل فنلندا وسويسرا مشهدًا آخر تمامًا: أطفال ينعمون برفاهية التعليم العصري، والرعاية النفسية، وبيئة مستقرة، تسمح للطفل أن يسأل عن مستقبله لا عن حياته. في فنلندا، يتعلّم الطفل في مدارس تحترم إيقاعه النفسي، وتمنحه الوقت لينمو، بينما هنا، يُطلب من الطفل أن يتخطى القصف، ويكتب موضوعًا إنشائيًا عن “الوطن”.

إنَّنا بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الحماية في زمن الحروب. فالحماية لم تعد تقتصر على بناء الملاجئ وتوزيع الخوذ، بل يجب أن تشمل شبكات دعم نفسي واجتماعي وتربوي. الطفل الذي ينجو من الموت، قد لا ينجو من التوتر، ما لم يُحتضن في بيئة تعيد له ثقته بالعالم.

المطلوب اليوم سرعة جديدة في التفكير، تقود إلى إنشاء آليات استجابة شاملة لحماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة. آليات تنسّق بين الحكومات والمنظمات الإنسانية والمدارس، وتوفّر بيئات بديلة، وتعالج لا الجسد فحسب، بل النفس والجوانب الاجتماعية أيضًا.

من موقعي كمدرّس، أؤمن أن حماية الأطفال لا تبدأ فقط من الجدران، بل من السياسات، ومن الوعي بأن هؤلاء ليسوا أبناء أسر فقط، بل بناة أوطان. تأمين مستقبلهم لا يكون فقط بإيقاف الحروب، بل أيضًا بخلق بدائل حقيقية: تعليم عصري، استقرار اقتصادي، ومؤسسات تحميهم من أن يكونوا أدوات في يد المصالح.

جيل اليوم يختصر الشرق في صورته الأكثر صدقًا: مرهق، لكنه حي. مسحوق، لكنه عنيد. خائف، لكنه يحلم.

فلنصغِ إليهم؛ صوتهم الخافت هو الحقيقة الأعلى في هذه المنطقة المنهكة. لا يطلبون الكثير: قليل من السلام، كثير من الحلم.