التفاعل مع موظفي التوصيل!

عقل العقل
في أغلب مدن العالم ومع الثورة المعلوماتية الطاغية على حياة الإنسان، أصبحت الخصوصية للأفراد مكشوفة وخاصة من قبل المؤسسات التجارية المختلفة، من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي تعرف هذه الشركات اهتمامك وميزانيتك وعنوانك ومتى تصحو وتنام في مكانك مهما كنت في منطقة بعيدة عن صخب المدينة، من يشاهد شوارع المدن ومنها مدننا الخليجية لا يتصور هذا المشهد من حشود عمال التوصيل المتحركين فيها خلال أغلب ساعات الحياة فيها ليلاً أو نهاراً، هؤلاء العمالة تجوب الشوارع وتوصل الطلبات من كل الأنواع وخاصة المأكولات والمشروبات للمنازل. البعض من هذه العمالة يستخدم الدراجات النارية، وهي الأغلب، وسيارات تعتبر صغيرة الحجم، موضوع لماذا شعوبنا أدمنت على هذا السلوك المبالغ فيه والذي له أضرار متعددة منها الصحي والاقتصادي والاجتماعي، فهذه العمالة في أغلبها تأتي من دول وبيئات ثقافية واجتماعية مختلفة، ناهيك عن أوضاعها الاقتصادية الصعبة، تأتي لمنطقتنا منذ عقود وتعمل وتجد الظروف الملائمة لها في دولنا. من يتابع تحويلات الأجانب من دولنا يجدها بالمليارات، عمالة الماضي كانت في عزلة وظروف عمل بعيدة عن المجتمعات المحلية وبعض الدول وضعت مناطق ومجمعات سكنية لها، وكلنا يتذكر الشركات الكورية الجنوبية في فترة الطفرة في سبعينات القرن الماضي.
عمال التوصيل الآن يعتبرون ضرورة لأجيالنا الحالية، وسوف تتغير أشكال وأخلاقيات التعاطي معهم، فهم يظلون مختلفين عنا لغة وثقافة ومفاهيم ثقافية، ويعملون تحت ظروف صعبة في عمليات التوصيل المطلوبة منهم أو محاولة السرعة في أداء عملهم لتحقيق كسب سريع، لا أدعو إلى المعاملة الخشنة معهم أو نبذهم والتعامل معهم بتعالٍ وفوقية، ولكن يجب علينا الاحتفاظ بخصوصيتنا إلى أبعد حد، وعدم توثيق العلاقة مع مندوب توصيل لا نعرف عنه الكثير، قد تكون بعض العوائل لها ظروف خاصة وضعيفة لأسباب متعددة مثل كبار السن أو أن يكون ساكنو المنزل من النساء مثلاً، والبعض من طيبته وإنسانيته وانطلاقاً من قيمه وأخلاقه الذاتية قد يعطف على البعض منهم ويقدم له مالاً أو ما إلى ذلك، وقد يعطي انطباعاً بأنه صاحب ثروة مثلاً، ويكون محط أنظار البعض من ضعفاء النفوس من هذه الفئات. الوضع ليس بهذه الخطورة حتى الآن، ولكننا نقرأ ونسمع عن مآسٍ تصل للاعتداء والقتل في بعض مدننا لبعض الناس الطيبين من قبل بعضهم، والسبب هو الطيبة الزائدة من بعض الأشخاص، في أغلب الثقافات يرددون على مسامع أطفالهم في مراحل حياتهم نصائح تحذرهم من التحدث للغرباء أو أن الخطر يأتي من الغريب، وهذا باعتقادي من أحد الحلول للتعاطي مع مناديب التوصيل، وأن لا نفتح القصص والحكايا معهم وعن دولهم وعوائلهم وكم رواتبهم وكم من السنين لهم في البلد، علينا أن نكون محددين في التعاطي معهم بشكل مؤدب وفعال في إيصال الخدمة وبشكل سريع.
لا يعني هذا عدم وجود أدوار مهمة من قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة في تنظيم وتدريب هذه العمالة التي تغلغلت في حياتنا، ولا يترك العمل في هذه المهنة لأصحاب شركات همهم الربح المادي بدون تقدير خطورة إحضار عمال بدون كشف ومعرفة عن خلفياتهم الثقافية والاجتماعية كما تطبق بعض الدول، حيث تطلب من مكاتب العمل تدريب الخادمات على العمل في المنازل وخلفية معقولة عن المجتمع الذي سوف يذهبن إليه.