أبو الشباب: هل يمكن أن يكون “المخلص المأمول”؟

هل سيستطيع ياسر أبو شباب فرض سيطرته الكاملة على قطاع غزة ومواجهة بؤر حماس الإرهابية والدخول في مواجهات شديدة الدموية في “حرب عصابات” لا تبقي ولا تذر، والفائز فيها من سيستطيع القضاء بكل وحشية على الطرف الآخر؟

الواقع يشير إلى أن الإجابة على هذا السؤال المحوري تكمن في فهم طبيعة الصراع الدائر في قطاع غزة، والذي لا يمكن اختزاله في مجرد صراع بين فصيلين فلسطينيين، بل يمتد ليشمل أبعاداً جيوسياسية معقدة تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية. والحقيقة أن ظاهرة “أبو الشباب” تمثل نموذجاً جديداً في المشهد الفلسطيني، نموذجاً يحمل في طياته تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحكم في غزة وطبيعة القوى التي ستشكل هذا المستقبل.

ما نراه اليوم في المشهد الغزي يكشف عن تحولات جذرية في بنية القوة داخل القطاع، حيث برزت مجموعة “القوات الشعبية” بقيادة ياسر أبو شباب كلاعب جديد يسعى لإعادة تشكيل المعادلة السياسية والأمنية. هذا البروز لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة لتراكمات سياسية وأمنية واجتماعية عميقة، تفاقمت مع اشتداد الحرب الدائرة وتراجع قبضة حماس على مناطق واسعة من القطاع.

من الواضح أن أبو الشباب يواجه تحدياً مزدوجاً: من جهة، عليه أن يثبت قدرته على فرض سيطرته الفعلية على الأرض، ومن جهة أخرى، عليه أن يكسب الشرعية الشعبية التي تمكنه من الاستمرار والتوسع. هذا التحدي المزدوج يضعه أمام معضلة حقيقية، خاصة وأن شخصيته تبدو مختلفة عن النمط التقليدي للقادة المسلحين في المنطقة.

الملاحظ أن أبو الشباب يتميز بملامح الهدوء والاتزان، ولا يملك خلفية متوحشة أو إجرامية معروفة، وهو ما قد يشكل نقطة ضعف في بيئة تحكمها قوانين القوة والعنف. ففي عالم حماس، حيث يُعتبر سفك الدماء والتنكيل بالأعداء جزءاً لا يتجزأ من إثبات الوجود وفرض الهيبة، قد تبدو شخصية أبو الشباب “الهادئة” غير مناسبة للمهمة الجسيمة التي يسعى لتحقيقها.

الأمر المؤكد أن حماس تدرك جيداً هذه النقطة، وتسعى لاستغلالها في صراعها مع أبو الشباب ومجموعته. فالحركة التي اعتادت على حكم غزة بقبضة من حديد، والتي لا تتردد في استخدام أقسى أساليب القمع والترهيب ضد معارضيها، تعلم أن البقاء في السلطة يتطلب أكثر من مجرد الخطابات والوعود، بل يتطلب القدرة على إرهاب الخصوم وإخضاعهم بالقوة الغاشمة.

من المرجح أن حماس ستسعى لجر أبو الشباب إلى مواجهة دموية شاملة، مواجهة تهدف من خلالها إلى اختبار قدرته على تحمل ضغط الحرب الحقيقية وتكاليفها الباهظة. هذه المواجهة، إن حدثت، ستكون بمثابة امتحان حاسم لأبو الشباب وقدرته على التحول من مجرد “منافس محتمل” إلى “بديل فعلي” لحماس في حكم غزة.

التجربة التاريخية تعلمنا أن الصراعات الداخلية في المناطق المضطربة نادراً ما تُحسم بالوسائل السلمية أو الحلول التفاوضية، بل تتطلب في الغالب حسماً عسكرياً واضحاً يؤدي إلى انتصار طرف على آخر انتصاراً مطلقاً. هذا الحسم العسكري لا يتحقق إلا من خلال القدرة على استخدام العنف بفعالية وبلا رحمة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول استعداد أبو الشباب لخوض هذا النوع من الصراعات.

الحقيقة أن أبو الشباب يقف أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يتكيف مع طبيعة البيئة التي يعمل فيها ويتبنى أساليب أكثر قسوة وعنفاً، وإما أن يجد نفسه مضطراً للخروج من المشهد كما دخل إليه، دون أن يترك أثراً يُذكر.

الأحداث المتتالية تشير إلى أن حماس لن تتردد في استخدام كل الوسائل المتاحة لديها لمواجهة التحدي الذي يمثله أبو الشباب. هذه الوسائل تشمل ليس فقط القوة العسكرية المباشرة، بل أيضاً الحرب النفسية والدعائية، والتي تهدف إلى تشويه صورة أبو الشباب أمام الرأي العام الفلسطيني وتصويره كعميل للاحتلال أو كمجرد “رجل عصابات” يسعى لتحقيق مكاسب شخصية.

من الواضح أن نجاح أبو الشباب في مهمته يتوقف على عوامل متعددة، أهمها قدرته على بناء قاعدة شعبية صلبة تدعمه في مواجهة حماس، وقدرته على تطوير قدراته العسكرية والأمنية بما يمكنه من خوض حرب عصابات طويلة ومدمرة، وأخيراً قدرته على إدارة علاقاته الخارجية بحكمة تضمن له الدعم دون أن تفقده الشرعية الداخلية.

الواقع يؤكد أن الطريق أمام أبو الشباب محفوف بالمخاطر والتحديات، وأن نجاحه ليس مضموناً بأي حال من الأحوال. فالتاريخ مليء بأمثلة لقادة بدوا واعدين في البداية، لكنهم فشلوا في النهاية لأنهم لم يستطيعوا التكيف مع متطلبات اللحظة التاريخية التي عاشوها.

بلا شك أن أبو الشباب يواجه اختباراً حقيقياً لقدرته على التحول من مجرد “ظاهرة عابرة” إلى “قوة سياسية مؤثرة” قادرة على إحداث تغيير جذري في المشهد الغزي. هذا التحول يتطلب منه أن يثبت أنه قادر على لعب اللعبة وفقاً لقواعدها الحقيقية، وليس وفقاً للقواعد التي يتمنى أن تكون.

التحركات الإقليمية تظهر أن المنطقة تشهد تحولات جذرية قد تؤثر على مستقبل غزة ومن يحكمها. هذه التحولات تتطلب من أي قائد طموح أن يكون على قدر عالٍ من المرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات السريعة.

الموقف الحالي يكشف أن أبو الشباب يقف اليوم أمام لحظة فاصلة في مسيرته، لحظة ستحدد ما إذا كان سيصبح “المخلص المنتظر” الذي ينتظره البعض، أم أنه سيخرج من المشهد كما دخل إليه، مجرد حلقة عابرة في تاريخ الصراع الطويل في غزة.

الإجابة النهائية تكمن في قدرة أبو الشباب على إثبات أنه يملك ليس فقط الرؤية والطموح، بل أيضاً الإرادة الحديدية والقدرة على استخدام العنف عند الضرورة. فبدون هذه القدرة، ستبقى كل طموحاته مجرد أحلام لا تجد طريقها إلى أرض الواقع.

إن المستقبل وحده كفيل بالإجابة على السؤال المحوري الذي طرحناه في بداية هذا التحليل. لكن ما يمكن قوله بثقة هو أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير أبو الشباب ومشروعه السياسي، وأن النتيجة ستعتمد إلى حد كبير على قدرته على التحول من “حالم بالتغيير” إلى “صانع للتغيير” بكل ما يتطلبه ذلك من تضحيات وقرارات صعبة.