زمن الحروب المباشرة عبر وسائل الإعلام

زمن الحروب المباشرة عبر وسائل الإعلام

علي عبيد الهاملي

كانت الأخبار تصل الناس كما تصل رسائل البحر في زجاجات مغلقة، لا يدري أحد متى أُرسِلت، ولا كيف كُتِبت، ولا ما إذا كانت قد وصلت في وقتها أم متأخرة زمناً لا نعرف مقداره.

ثم أتى وقتٌ كان الناس فيه يستمعون إلى أخبار الحروب من خلال البيانات العسكرية التي تبثها الإذاعات، تسبقها تلك الموسيقى الحماسية المعتادة لتزفّ إلى المستمعين نصراً مؤزراً، حتى لو كانت الجيوش تائهة في الصحراء تجرجر أذيال الهزيمة.

حدث هذا في حروب كثيرة، كانت البيانات العسكرية تنقل للجماهير من خلال الإذاعات انتصاراتٍ كبرى، قبل أن تفيق الشعوب على هزائم تُطلَق عليها أسماء أخرى.

حدث هذا في مناطق كثيرة من العالم، حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين.

ولكن ما أن أطلت علينا التسعينيات حتى حدث شيء لم يكن متوقعاً، إذ بينما كان العالم كله ينتظر بدء حرب تحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين، بعد أن فشلت كل الجهود التي بذلت من أجل إخراج القوات العراقية من الكويت، إذا بقناة CNN الأمريكية تأتي لتبدأ عهداً جديداً في تغطية الحروب خلال تغطيتها لعملية «عاصفة الصحراء» عام 1991م.

وبهذا أصبحت أول قناة تلفزيونية تقوم بنقل حروب المنطقة على الهواء مباشرةً، وبشكل مكثفٍ، بدءاً من حرب الخليج الثانية.

غطّى مراسلوها، الذين كان أبرزهم بيتر آرنيت وبيرنارد شو، القصف الجوي الأمريكي الأول على العاصمة العراقية بثاً حياً من «فندق الرشيد» ببغداد.

هذا الحدث اعتُبر نقطة تحوّلٍ كبرى في الإعلام الدولي، بدأ منه ما عرف لاحقاً باسم «الحروب المنقولة تلفزيونياً» أو «حرب التلفزيون المباشر».

وحين غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003م، لم نكن نقرأ أو نسمع عن الحرب.

كنا نراها عبر الشاشات كما لم يرها أهل بغداد أنفسهم، فقد كان القمر الصناعي أسرع من السيارة العسكرية، وكان المراسل التلفزيوني أقرب إلى غرفة نوم المشاهد من أقرب جندي إلى موقع الحدث.