زيادة الهجمات الإلكترونية على المصانع تهدد الاستقرار العالمي للإنتاج

زيادة الهجمات الإلكترونية على المصانع تهدد الاستقرار العالمي للإنتاج

إيلاف من سان فرانسيسكو: في زاوية مظلمة من عالم التكنولوجيا، يتسلّل تهديد جديد لا يستهدف بريدك الإلكتروني ولا حساباتك البنكية، بل يضع عينه على شيء أكثر حساسية… مصانع العالم. في تقرير حديث ومثير للقلق صادر عن شركة Honeywell، تم الكشف عن ارتفاع غير مسبوق بنسبة 46٪ في عدد هجمات الفدية التي استهدفت أنظمة التشغيل الصناعية خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي.

هذه الأنظمة، المعروفة باسم OT (Operational Technology)، هي التي تشغّل كل شيء من خطوط إنتاج السيارات إلى محطات تنقية المياه ومراكز تعبئة الأغذية وحتى مصانع الأسمنت. ببساطة، هي الأعصاب التقنية للصناعة الحديثة. والمثير للقلق أن هذا النوع من الهجمات لم يعد يقتصر على سرقة ملفات أو تشفيرها فحسب، بل أصبح قادراً على إيقاف عمليات التصنيع بالكامل في غضون دقائق.

من بين أبرز الهجمات التي تم رصدها، كانت هناك عمليات اختراق استهدفت محطات طاقة في الولايات المتحدة، ومصانع في أوروبا توقفت تماماً عن العمل بعد اختراق أنظمتها. كما تم رصد هجمات عبر أجهزة USB المحمولة، حيث تم تسجيل أكثر من 1,800 تهديد من هذا النوع في ثلاثة أشهر فقط، بزيادة قدرها 33% عن العام الماضي. هذه الأجهزة البسيطة التي تبدو بريئة أصبحت بوابات خفية تنقل برمجيات خبيثة إلى قلب الأنظمة الصناعية.

الأدوات المستخدمة في هذه الهجمات باتت أكثر تطوراً وتعقيداً. على سبيل المثال، استُخدم رمز خبيث يُعرف باسم W32.Worm.Ramnit في نسبة كبيرة من الهجمات، وهو مصمم خصيصاً لسرقة بيانات الاعتماد وإعادة استخدام كلمات المرور لشن هجمات متسلسلة. المثير أن معدل استخدام هذا الرمز ارتفع بنسبة 3000٪ مقارنة بالربع السابق، وهو رقم يثير الرعب فعلياً.

لكن كيف يحدث هذا؟ في كثير من الأحيان، يقوم المهاجمون بإرسال رسائل تصيّد مدروسة إلى موظف يعمل في المصنع، أو يستغلون منفذ USB نُسي في الجهاز، أو يستغلون ثغرة غير مرقّعة في النظام. وما إن يتمكنوا من التسلل، حتى تبدأ الرحلة: تجميد الأنظمة، تعطيل المعدات، والمطالبة بمبالغ فدية طائلة تفوق مئات الآلاف من الدولارات أحياناً.

ماذا يمكن للمصانع أن تفعل؟ هناك حلول عملية وفعالة، لكنها تحتاج إلى وعي وإرادة. أولها تبنّي مبدأ “الثقة المعدومة” (Zero Trust) داخل الشبكات، بحيث لا يُفترض أن أي جهاز أو برنامج داخلي آمن بشكل تلقائي. ثانيها، استخدام أنظمة ذكية قائمة على الذكاء الاصطناعي لمراقبة النشاط غير الطبيعي والتنبؤ بالاختراقات قبل وقوعها. كما أن تقنين استخدام أجهزة USB، وربط كل مدخل ببرنامج تحليلي، وتطبيق التحديثات الأمنية فوراً، كلها إجراءات ضرورية يجب ألا تُهمل.

الأمر لا يقتصر فقط على البرمجيات، بل على تدريب العنصر البشري أيضاً. إذ لا تزال رسائل البريد الإلكتروني المُفخّخة من أكثر الوسائل نجاحاً في اختراق هذه الأنظمة، ما يضع مسؤولية إضافية على فرق الموارد البشرية والتدريب التقني.

في هذا المشهد، تتضح الصورة: الهجمات السيبرانية لم تعد مجرد مشكلة للمبرمجين وشركات الحماية. إنها أزمة اقتصادية فعلية قد تعطل عجلة الإنتاج، وترفع الأسعار، وتضع أرواحاً في خطر إذا تعلّق الأمر بمحطات طاقة أو مصانع أدوية. وربما الأكثر إزعاجاً أن هذه الهجمات تأتي غالباً من خصوم غير مرئيين، لا وجه لهم ولا وطن، يضربون من خلف شاشات حواسيبهم، ويتركون وراءهم فوضى مكلفة.

رغم ذلك، تبقى التكنولوجيا سلاحاً ذا حدّين. فإذا كانت الهجمات باتت أكثر تطوراً، فإن أدوات الحماية كذلك. وعلى المصانع والشركات أن تتحرك سريعاً، فالمعركة لم تعد مستقبلية… إنها هنا، الآن، وفي قلب كل مصنع ينبض بالإنتاج.