خطاب الإخوان: ترف في القصور وصوت للذبح

خطاب الإخوان: ترف في القصور وصوت للذبح

في زمن تتكاثر فيه الأزمات وتتعاظم فيه المآسي، يطل علينا خطاب جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم من أبراج الرفاهية، يزخرفون الكلام ويطبلون لأعمال إرهابية جلبت الموت والدمار لغزة، بينما يتناسون عن عمد حقيقة الكارثة الإنسانية التي حلّت بالمدنيين. خطابهم المهلوس والمنافق يصرّ على تزييف الواقع، متذرعًا بأن ما جرى في مذبحة 7 أكتوبر “ملحمة بطولية” و”طوفان للأقصى”، متجاهلين أن ضحايا هذه المغامرة هم من أبناء غزة أنفسهم، الذين دفعوا الثمن مضاعفًا: قصف ودمار وقتل وتشريد، دون أن يرف لهم جفن أو يراجعوا ضمائرهم.

من يتابع خطاب الإخوان المسلمين حول أحداث 7 أكتوبر يلاحظ كيف يحاولون صناعة بطولة زائفة من مأساة حقيقية. يصرّون على استخدام مصطلحات مثل “طوفان الأقصى” و”ملحمة غزة” و”النصر العظيم”، في محاولة لتجميل صورة عمل دموي أودى بحياة آلاف الأبرياء وجلب دمارًا غير مسبوق على رؤوس العزّل من نساء وأطفال وشيوخ. هذا الخطاب لا يخرج عن كونه استثمارًا سياسيًا رخيصًا في الدم الفلسطيني، حيث يتم توظيف معاناة الناس لتلميع صورة الجماعة وإحياء حضورها السياسي المهتز في العالم العربي.

والأخطر من ذلك، أن هذا التزييف يتجاهل عمدًا حقيقة أن العملية الإرهابية في 7 أكتوبر استهدفت مواطنين إسرائيليين عزّل من ديانات وعرقيات مختلفة، وارتُكبت فيها فظائع رهيبة من اغتصاب للنساء واختطاف للعجائز والأطفال والرضع، وذبح للأسر بأكملها داخل منازلهم. وثّقت التحقيقات المستقلة والمنظمات الحقوقية أن الهجوم لم يميز بين رجل أو امرأة، صغير أو كبير، يهودي أو غير يهودي، بل كان الهدف قتل أكبر عدد من المدنيين وخطفهم، بمن فيهم الأطفال والرضع والعجائز. لم تقتصر الجرائم على القتل والخطف، بل شملت أيضًا استخدام وسائل التواصل لبث مشاهد القتل والاغتصاب مباشرة، وإرسال صور الضحايا إلى ذويهم لزيادة الرعب والمعاناة النفسية. أي بطولة مخزية يمكن أن تبرر اغتصاب النساء، وذبح الأطفال، واختطاف الرضع، وحرق العائلات أحياء؟ أي شرف في أن يتحول الإنسان إلى أداة قتل جماعي ويحتفي بهذه الفظائع؟ هذا العمل الإرهابي ليس مقاومة، بل وصمة عار على جبين من يبرره أو يمجده، ويكشف عن أزمة أخلاقية وإنسانية لدى كل من يروج له أو يدافع عنه.

المفارقة الصارخة أن معظم من يروجون لهذا الخطاب يعيشون في أمان ورفاهية بعيدًا عن ساحات القصف والدمار. يتصدرون الشاشات والمنصات الرقمية من غرفهم المكيّفة، يوزعون صكوك البطولة ويطالبون الأمة الإسلامية بالاقتداء بـ”طوفان الأقصى”، بينما لم يعرفوا يومًا معنى الجوع أو الخوف أو فقدان الأحبة تحت الأنقاض. هذا الانفصام الأخلاقي يعكس جوهر نفاقهم: يطالبون الآخرين بالتضحية القصوى، بينما لا يجرؤون على دفع أي ثمن شخصي، بل يكتفون بالتنظير والشعارات.

يبرر الإخوان المسلمون وأنصارهم المجزرة بذرائع أيديولوجية، معتبرين أن ما جرى “رد على الظلم الصهيوني” و”استعادة للكرامة الإسلامية”. يتغاضون عن حقيقة أن هذه العمليات لم تجلب سوى مزيد من القتل والدمار لأهل غزة، وأنها لم تحقق أي مكسب سياسي أو عسكري حقيقي، بل زادت من عزلة القطاع وأضعفت القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. الخطاب الإخواني يخلط عمدًا بين المقاومة المشروعة والإرهاب، وبين الدفاع عن الحقوق والاندفاع نحو مغامرات دموية يدفع ثمنها الأبرياء وحدهم.

من أخطر ما في خطاب الإخوان المسلمين هو محاولتهم اختزال الأمة كلها في جماعتهم، وكأنهم وحدهم من يمثلون ضمير الشعوب وقضاياها الكبرى. يروجون أن كل من يخالفهم أو ينتقدهم هو خائن أو عميل للمشروع الصهيوني، ويصورون أي إجراء قانوني ضدهم في أي بلد عربي على أنه مؤامرة دولية ضد “قوى الأمة الحية”. هذا التلبيس الخطابي ليس سوى محاولة للهروب من المحاسبة السياسية والأخلاقية، وغطاء لتبرير إخفاقاتهم المتكررة في تحقيق أي إنجاز حقيقي للقضية الفلسطينية.

لا يتوقف خطاب الإخوان وأنصارهم عند تزييف الواقع، بل يتعمد تغييب الضحايا من حساباتهم. لا حديث عن آلاف القتلى والجرحى في غزة، ولا عن الأطفال المشردين أو العائلات التي فقدت كل شيء. كما يتجاهلون عمدًا أن ضحايا 7 أكتوبر في دولة إسرائيل كانوا من المدنيين الأبرياء، من مختلف الديانات والأعراق، وأن من بينهم أطفال ورضع ونساء وعجائز تعرضوا للقتل والاختطاف والاغتصاب. كل ذلك يُختزل في شعارات جوفاء عن “الصمود” و”الملحمة”، وكأن دماء الأبرياء مجرد وقود لمشروعهم السياسي. هذا الجفاء الأخلاقي يكشف حقيقة موقفهم من الإنسان: مجرد أداة في معركة شعاراتهم، لا أكثر ولا أقل.

بدلًا من مراجعة الذات أو الاعتراف بالأخطاء، يواصل الإخوان المسلمون تكرار نفس الخطاب الشعبوي الذي يبرر الكوارث ويمجد المغامرات الفاشلة. لا مكان في خطابهم لأي نقد ذاتي أو تقييم موضوعي للنتائج الكارثية التي جلبتها سياساتهم، بل يستمرون في الهروب إلى الأمام، متوهمين أن العالم سيصدق روايتهم إلى الأبد.

خطاب الإخوان المسلمين حول مجزرة 7 أكتوبر ليس سوى نموذج صارخ للنفاق السياسي والهلوسة الأيديولوجية؛ من يعيشون في رفاهية وراحة يطالبون الآخرين بدفع أثمان باهظة باسم البطولة، بينما يتجاهلون عمدًا أن دماء الأبرياء ليست سلعة للمساومة أو الاستثمار السياسي. إن تبرير الدمار والقتل تحت لافتة “المقاومة” لن يغسل عنهم عار المشاركة المعنوية في جريمة إنسانية بحق غزة وأهلها، وبحق المدنيين الأبرياء الذين سقطوا ضحايا للفظائع. آن الأوان لكشف هذا الخطاب وفضح زيفه، والوقوف بوضوح إلى جانب الضحايا الحقيقيين: المدنيين العزّل الذين يدفعون وحدهم ثمن شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.