الأمن العقائدي والتنمية المستدامة: الرياض كنموذج عالمي

الأمن العقائدي والتنمية المستدامة: الرياض كنموذج عالمي

لا تستقيم التنمية دون أمن، كما لا يستقر الأمن دون عدالة تنموية شاملة. وبين هذين الركنين تتجلى العلاقة العضوية بين العقيدة الأمنية بوصفها منظومة فكرية وإجرائية لصون الوطن، والتنمية المستدامة بوصفها خارطة طريق لبناء المستقبل.

في زمن تتسارع فيه التحديات، وتتشابك فيه الأزمات، برزت الحاجة الماسّة إلى إعادة تعريف العقيدة الأمنية لتواكب التحولات العالمية، وتتناغم مع طموحات التنمية، كما ورد في أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، التي تشمل: القضاء على الفقر، الأمن الغذائي، التعليم الجيد، المساواة بين الجنسين، المياه والطاقة النظيفة، النمو الاقتصادي، الابتكار، العدالة، الحياة البيئية، بناء المؤسسات الفاعلة، وتعزيز الشراكات الدولية.

العقيدة الأمنية ليست مجرد إجراءات ميدانية، بل هي فكر وطني متجذر، يقوم على استيعاب شامل للمخاطر، وتحليل استباقي، وتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع. فكلما زاد الوعي الأمني، تقلّصت التهديدات، سواء كانت تقليدية أو سيبرانية أو فكرية.

وفي المقابل، فإن التنمية ليست فقط إنشاء بنى تحتية، بل هي عدالة اجتماعية، وفرص متكافئة، وتعليم جيد، وبيئة صحية، وكلها أدوات للوقاية من الجريمة والتطرف والانحراف. فكلما ازدهرت التنمية، قويت مناعة الوطن داخليًا.

وتبرز أهمية الدمج بين الرؤية الأمنية والرؤية التنموية كخيار استراتيجي لا ترف فيه. فالمملكة العربية السعودية – في إطار رؤيتها 2030 – تعمل على مواءمة العقيدة الأمنية مع مفاهيم الاستدامة من خلال الأمن البيئي، والغذائي، والسيبراني، والنفسي، وهو ما يضع الإنسان في صميم الأولويات، بوصفه حارسًا للتنمية وغاية لها في الوقت ذاته.

ولا يكتمل هذا التكامل دون تعاون دولي فعّال يضمن تبادل الخبرات، وتنسيق الجهود الأمنية والتنموية عبر الحدود، خاصة في ظل التحديات العابرة كالإرهاب، والمخدرات، والجرائم الإلكترونية، والهجرات غير الشرعية. فالأمن لم يعد شأناً داخلياً بحتًا، بل هو مسؤولية دولية تشاركية.

وتُعد مدينة الرياض نموذجًا عمليًا ورائدًا في ترجمة هذا التكامل بين العقيدة الأمنية والتنمية المستدامة؛ فهي ليست فقط عاصمة سياسية واقتصادية، بل تمثل مساحة حيوية تحتضن مشروعات كبرى في مجالات الأمن الذكي، والتحول الرقمي، والحياة الحضرية المتقدمة. لقد أصبحت الرياض نموذجًا حضاريًا يجسّد مفهوم “المدينة الآمنة المزدهرة”، حيث تتكامل جهود الجهات الأمنية مع المشروعات التنموية، في بيئة تعزز الاستقرار وتحقق جودة الحياة. وتُظهر المشروعات الكبرى مثل “مشروع الرياض الخضراء”، و”مترو الرياض”، و”الرياض الرقمية”، أن التنمية المستدامة ليست بعيدة عن الأمن، بل هي شريك استراتيجي له.

إن المملكة العربية السعودية، بقيادتها الحكيمة ورؤيتها الطموحة، تواصل ترسيخ نهج متكامل يُعزّز الأمن الوطني بمفهومه الشامل، ويُفعّل التنمية المستدامة كأداة استراتيجية لحماية مقدرات الوطن وبناء مستقبل مستقر. وإن تجربة مدينة الرياض تمثل ترجمة حية لهذا النهج، وتعكس نجاح السياسات الوطنية في تحقيق التوازن بين الحماية والتنمية، وبين النمو والازدهار. وهذا النهج يعزز أيضًا دور المملكة الريادي على المستويين الإقليمي والدولي، كركيزة للسلام والاستقرار