ما الدلالات وراء استيلاء قوات الدعم السريع على مثلث العوينات الحدودي؟

ما الدلالات وراء استيلاء قوات الدعم السريع على مثلث العوينات الحدودي؟

في قلب صحراء السودان الشمالية الغربية، حيث تلتقي حدود السودان مع مصر وليبيا، يشتعل صراع جديد على ما يُعرف بـ”مثلث جبل العوينات” وهي منطقة صحراوية قاحلة ونائية، لكنها شديدة الأهمية.

هذا المثلث الجغرافي تحول في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة مواجهة مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ضمن الحرب المستمرة التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023. ويبدو أن هذه الحرب لم تعد شأناً داخلياً بحتاً، إذ إنها تتسع يوماً بعد يوم، لتأخذ أبعاداً إقليمية ودولية مقلقة.

سيطرة أعقبها انسحاب

Getty Images

أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على “المثلث الاستراتيجي” عند التقاء حدود الدول الثلاث. ونشرت عناصر تابعة للقوات مقاطع مصورة تبين انتشارهم في المنطقة.

وفي بيانها، وصفت قوات الدعم السريع هذه الخطوة بأنها “نصر نوعي” من شأنه فتح جبهات جديدة في الحرب، خاصة في المناطق الصحراوية التي كانت حتى وقت قريب خارج نطاق المعركة المباشرة.

قوات الدعم السريع تسيطر على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا

من جهته، لم يتأخر الجيش السوداني في الرد، مؤكداً أنه أخلى الموقع ضمن “الترتيبات الدفاعية التي تهدف إلى صد العدوان”، بحسب وصفه، في إشارة واضحة إلى أن هذا التراجع قد لا يكون دائماً.

وفي الوقت ذاته، اتهم الجيش السوداني قائد “الجيش الوطني الليبي”، خليفة حفتر، بمساندة قوات الدعم السريع في هجومها الأخير، ما أضاف بُعداً جديداً من التعقيد إلى المشهد.

وهي المرة الأولى التي يشار فيها إلى دخول قوات برية غير سودانية في الحرب بين الطرفين.

صحراء قاحلة لكن غنية

صورة لمنطقة صحراوية في موقع جبل المراغة الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام في صحراء بيوضة، على بعد حوالي 270 كيلومترا (170 ميلا) شمال العاصمة السودانية الخرطومGetty Images

يقع مثلث جبل العوينات عند تقاطع حدود السودان مع مصر وليبيا. ويُعد من أكثر المناطق عزلة في الصحراء الكبرى.

وقد اكتسب أهميته في أوائل القرن العشرين، بعد أن زاره الرحالة المصري أحمد حسنين باشا، موثّقاً نقوشاً صخرية تعود لعصور ما قبل التاريخ.

وبالاستناد إلى المرجعيات التاريخية، فإن المنطقة ظلت مهملة لعقود بسبب تضاريسها الوعرة وغياب السكان، ولم تُحسم تبعيتها بشكل دقيق بين الدول الثلاث، خاصة بعد اتفاقية الحدود بين مصر والسودان عام 1925.

لكن مع مرور الوقت، بدأ يُعاد النظر في موقعها الاستراتيجي، بعد اكتشاف مؤشرات لوجود الذهب والمعادن، وتحولها إلى معبر رئيسي لتهريب البشر والوقود والسلاح.

يقول الخبير بشؤون دارفور، عبدالله آدم خاطر لبي بي سي، إن أهمية هذه المنطقة تتمثل في تاريخها العميق؛ إذ كانت تحتوي على مياه وتنبض بالحياة، وتجمع عدداً من القبائل؛ جزء منها من جذور ليبية، وأخرى قبائل مشتركة.

ويُضيف خاطر في حديثه أن اللافت للنظر هو أن هذه المنطقة أضحت جزءاً من الصراع الإقليمي، ولا يُستبعد ذلك لأنها ثرية بالمعادن، وما يحدث الآن هو مؤشر لواقع جديد.

وكانت هذه المنطقة قبل دخول قوات الدعم السريع إليها تقع تحت سيطرة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، الذي كان يحتفظ بوجود محدود فيها. وقد عُرفت العوينات بأنها منطقة تعدين أهلي تضم عشرات الآلاف من المعدنين.

أزمة متجاوزة الحدود

مقاتلون موالون للجيش يُسيّرون دوريات في سوق بالخرطوم في 24 مارس/آذار 2025.Getty Images

الصراع في المثلث الحدودي لم يعد مجرد معركة بين فصيلين داخل السودان، بل بات معتركاً جيوسياسياً، تتعدد فيه احتمالات التدخل الإقليمي.

ففي بيان شديد اللهجة، أدانت وزارة الخارجية السودانية الهجوم الذي وقع في المثلث، واتهمت “كتيبة سلفية” قالت إنها تابعة لقوات خليفة حفتر بالمشاركة في العمليات العسكرية. كما اتهمت دولة الإمارات بتوفير دعم لقوات الدعم السريع، واعتبرت ذلك اعتداءً مباشراً على سيادة السودان.

الحكومة السودانية لطالما اتهمت الإمارات بالضلوع في الصراع السوداني عبر تقديم دعم لوجستي وعسكري متواصل لقوات الدعم السريع. وظلت الإمارات تنفي تدخلها في الصراع.

وهناك من يرى أن هذا التصاعد المستمر للأحداث يزيد من مخاوف دول الجوار. فإلى الشمال، تُراقب مصر ما يجري على مقربة من حدودها الجنوبية وتخشى من تحوّل المنطقة إلى نقطة انطلاق لتهريب البشر والأسلحة نحو أراضيها، أو نحو أوروبا عبر ليبيا.

أهمية اقتصادية وأمنية

وللمنطقة أهمية اقتصادية وأمنية لا يستهان بها، كما يقول المختص في الشأن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس لبي بي سي، مضيفاً أن المثلث الحدودي يحتضن مناجم ذهب نشطة وأخرى محتملة، كما يشكل معبراً رئيسياً في التجارة غير الرسمية للذهب والوقود.

وقال إن هذه التجارة تؤمن شريان حياة لولايات مثل كردفان ودارفور، التي تعتمد بشكل كبير على الإمدادات القادمة من هذا الاتجاه.

ويضيف أبو إدريس أن الأهمية الأمنية لا تقل عن الاقتصادية؛ فمثلث العوينات يُعتبر أكبر ممرات تهريب البشر من القرن الإفريقي نحو ليبيا، ومن هنالك إلى أوروبا.

كما أن تهريب الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى يحدث جزئياً عبر هذه المنطقة، وذلك عبر الاستفادة من تضاريسها الوعرة وصعوبة المراقبة الحدودية.

السعي لقلب الموازين في الصحراء

العلم الوطني السوداني مثبت على مدفع رشاش لجنود قوات الدعم السريع شبه العسكريةReuters

يقول المختص في الشأن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس إن قوات الدعم السريع تسعى في الوقت الراهن إلى تعزيز وجودها في المثلث؛ بهدف تأمين طرق الإمداد، خاصة الوقود والمواد الغذائية.

أما الجيش السوداني، الموجود على بُعد أكثر من 400 كيلومتر من الموقع، فيعتمد بشكل أساسي على الطيران المُسيَّر، في محاولة لتقويض وجود الدعم السريع دون المخاطرة بقوات برية في بيئة قاسية وبعيدة عن قواعد الإمداد.

ويستبعد أبو إدريس أن يكون استخدام المُسيَّرات بالضرورة يعني الحسم، مبرراً ذلك بأن المواجهة في منطقة واسعة ومفتوحة قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب، لا سيما إن طال القصف مناطق حدودية قريبة من دول الجوار.

وأضاف أن استمرار المواجهات قد يؤثر على قدرة الجيش السوداني في الحفاظ على تماسكه في جبهات أخرى داخل البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في مواقعه.

صراع متعدد الأوجه

ما بدأ كنزاع على السلطة داخل السودان، تحوّل اليوم إلى حرب تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية.

والدعم الخارجي لقوات الدعم السريع من ليبيا والإمارات، بحسب اتهامات رسمية، ينذر بتوسّع رقعة الحرب، وتحولها إلى صراع متعدد الأطراف يصعب احتواؤه.

وبالارتكاز على التحذيرات التي أطلقها مراقبون، فإن الوضع في المثلث الحدودي قد يشكّل نقطة تحول خطيرة، ليس فقط بالنسبة لموازين القوى داخل السودان، بل لطبيعة العلاقات بينه وبين جيرانه، وربما حتى لأمن شمالي إفريقيا بالكامل، بحسب متابعين.