معضلة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس!

معضلة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس!

محمد مفتي

كثيرة هي الصدامات التي تدور بين رئيس ومرؤوسه سواء كان هذا الرئيس رئيس مؤسسة أو دولة، وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي لحدوث مثل هذا الصدام، غير أن مجملها يدور عن كونه اختلافاً في الرؤى ووجهات النظر بينهما، غير أن هناك عاملاً أساسياً قد يضخم هذه الصراعات ويسهم في إيصالها لنقطة اللاعودة، وهو طبيعة شخصية كل منهما وطموحه الشخصي، فقد تدفع الطموحات العالية بصاحبها لزجِّه في صراعات لن يخسر منها سواه.

في الدول الحزبية كالولايات المتحدة وغيرها، التي تكون الغلبة فيها للحزب الفائز في الانتخابات، تُفرض العديد من القيود على الرئيس المنتخب، وهي القيود التي فرضها الواقع والوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه، ويزداد هذا الأمر صعوبة في دولة كالولايات المتحدة التي يتحكم فيها الكونجرس (والحزب المسيطر عليه) في عملية صناعة القرار، فالرئيس في الولايات المتحدة يحتاج لرفاق حزبه لدعمه من أجل تمرير بعض قراراته الرئاسية، وهو ما يصعب الأمور على أي رئيس أمريكي خلال عملية إدارته لشؤون البلاد.

لا شك أن أعضاء الإدارة والحكومة الأمريكية لديهم رؤى متباينة قد تتفق وتختلف في ما بينهم، غير أن الرأي الفصل في ترجيح رأي عن آخر يقتصر على الرئيس وحده، الذي يحتفظ بحق الفيتو لإجهاض أي اقتراح يتقدم به أحد أعضاء إدارته، فالرئيس هو المسؤول الأول والأخير أمام الشعب الذي انتخبه، ومن الملاحظ أن التقارب الأخير الشديد بين ترمب وإيلون ماسك قد فرضته الظروف الانتخابية التي أوصلت ترمب للبيت الأبيض، حيث يرى ماسك أن دعمه للرئيس كان أحد الأسباب التي أوصلت الرئيس للبيت الأبيض.

ربما اعتقد ماسك في قرارة نفسه أنه السيد الحقيقي للبيت الأبيض، ولعل وزارة الكفاءة التي تم تعيينه وزيراً لها تعد مخرجاتها من أصعب القرارات وأكثرها أهمية كونها تتعلق بالإنفاق الحكومي، ومن يقود مثل هذه الوزارة يجب أن يدرك أنه يسير على حبل مشدود، يجب عليه أن يتوازن تماماً حتى لا يميل يمنة أو يسرة فيفقد توازنه ويتخذ قرارات خاطئة تؤذي الجميع، غير أن ماسك -رجل الأعمال- لم يجد طريقاً أفضل لرفع كفاءة الإنفاق الحكومي من فصل الموظفين ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وكأنه يدير مؤسسة تجارية، غير أن هذه القرارات لم تأخذ في الحسبان العديد من الأبعاد التي تتصادم وعلى نحو جوهري مع وعود ترمب الانتخابية.

إن أي رئيس أمريكي في حال اتخاذه قراراً خاطئاً قد يواجه بموجة عارمة من الانتقادات داخل العديد من أروقة المؤسسات السياسية الأمريكية وخاصة الكونجرس، التي قد تصل لحد المطالبة بسحب الثقة منه بدعوى أن قراراته قد تتسبب في الإضرار بمصالح الشعب الأمريكي، غير أن ماسك أغفل هذا الأمر تماماً اعتقاداً منه أنه يمكن أن يدير الأمر بمنطق الربح والخسارة، غير أن الدول تدار بمنطق مختلف تماماً، فهي لا بد أن تأخذ في اعتبارها العديد من العوامل الاجتماعية ومصالح الشعوب.

إن قانون الموازنة الذي أقره ترمب ووجده ماسك متعارضاً مع منهجه الإداري، لم يناقشه الأخير بهدوء بل سارع بتوجيه اللوم العنيف لمشروع القرار وانتقده بشدة، وهنا بدأت سلسلة جديدة من الصراعات انتهت بخروج ماسك من البيت الأبيض، ومن المؤسف أن يعتقد بعض المرؤوسين أنه بإمكانهم فرض آرائهم على رؤسائهم، وهو اعتقاد منبعه امتلاء الشخص بالغرور، ولاسيما لو سيطرت عليهم فكرة مفادها أن دعمهم للرئيس هو سبب نجاحه، وبالتالي يقومون بالتلويح بمثل هذه الورقة.

لم يتمكن ماسك خلال الأشهر القليلة التي قضاها داخل البيت الأبيض من أن يتعلم أن إدارة الدول تختلف جوهرياً عن إدارة مؤسساته التجارية، التي صنع منها إمبراطورية اقتصادية عملاقة جعلته أغنى رجل في العالم، فهو لم يتمكن من إدراك أن الدول لا يمكنها أن تدار إلا من خلال عقل وفكر رئيس واحد فقط، هو من يملك الشرعية لإقرار ما يراه صالحاً لتنفيذ مشروعه التنموي، وتحقيق وعوده الانتخابية. ولعل ماسك هدف من وراء دعمه لترمب ولحزبه الجمهوري تعظيم ثروته من خلال تحالف الثروة والنفوذ معاً، غير أنه على ما يبدو أن طموحاته قد تبخرت على صخرة رفض الرئيس الأمريكي قراراته وتوصياته، مما دفعه لأن ينقلب على رئيسه بعنف ولا أحد يعلم إلى أين سينتهي الأمر.