بكين تستغل «المعادن النادرة» كأداة ضغط في المفاوضات التجارية مع واشنطن

بكين تستغل «المعادن النادرة» كأداة ضغط في المفاوضات التجارية مع واشنطن

مستخدمةً ورقة المعادن النادرة للضغط على واشنطن، استطاعت بكين أن تكسب الوقت لبناء نقاط قوتها وإطالة أمد المفاوضات مع الولايات المتحدة، لتجعلها ترضخ لمطالبها.

هذه هي الاستراتيجية التي اتبعتها بكين منذ أن رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على السلع الصينية في أبريل الماضي، سعياً لدفع الصين إلى استيراد المزيد من السلع الأميركية وتقليل صادراتها إلى الولايات المتحدة.

لكن بدلاً من أن ترضخ الصين لمطالب ترامب، اعتمدت على ورقة رابحة، هي سيطرتها على المعادن النادرة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، في حين ركزت على محادثات مطولة بدلاً من الوصول إلى نتائج ملموسة.

وإذا افترضنا أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، كتب كتاباً بعنوان «فن التعامل مع ترامب»، على غرار كتاب ترامب «فن الصفقة»، فمن المرجح أنه سيدعو إلى استغلال نقاط ضعف الرئيس الأميركي لممارسة أقصى قدر من الضغوط، ثم استخدام الوقت المكتسب لتعزيز موقفه.

خطوات غامضة

وذكر محللون أن اجتماعات كتلك التي اختتمت أخيراً في لندن بين واشنطن وبكين، وتلك التي عُقدت الشهر الماضي في جنيف، تُبقي الولايات المتحدة غارقة في مفاوضات حول خطوات إجرائية غامضة، مثل وضع «إطار عمل» للمحادثات.

وهذا يسمح للصين بتجنب الخوض في النزاعات الشائكة، مثل اتهامات واشنطن لها بدعم الصناعات بشكل غير عادل، وإغراق الأسواق بالبضائع، وتقييد قدرة الشركات الأجنبية على ممارسة الأعمال التجارية في الصين.

وقال الزميل في مؤسسة «بروكينجز»، جوناثان كزين، الذي عمل سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تحليل السياسة الصينية: «أعتقد أن الصين مرتاحة للغاية لهذه الدورة من المناوشات الاقتصادية مع الولايات المتحدة والتي تليها حلقات من الدبلوماسية التي تعود فقط إلى الوضع الراهن».

وأضاف: «لعبة القط والفأر هذه تمنع الولايات المتحدة من إحراز أي تقدم في معالجة أي من المخاوف الأميركية الأساسية بشأن سياسات الصين غير العادلة وغير الملتزمة بالسوق».

تجنب الضغوط

لدى الصين تاريخ طويل في إحباط الولايات المتحدة في حوارات اقتصادية غالباً ما لا تُفضي إلى نتائج.

ويقول النقاد إن هذا التفاعل يسمح لبكين بتجنب الضغوط الأميركية مع الاستمرار في بناء اقتصادها وقدرتها التصنيعية كما تراه مناسباً.

المعادن النادرة خير مثال على ذلك، حيث تُهيمن الصين على إمدادات العالم من هذه المعادن والمغناطيسات المصنوعة منها، والتي تُستخدم في السيارات والطائرات و«الروبوتات» وأشباه الموصلات.

ورداً على رسوم إدارة ترامب الجمركية، أوقفت بكين شحنات هذه المعادن. وحتى مع تفاوض البلدين على استئناف هذه الصادرات، كانت الصين تُشدد قبضتها على تهريب المعادن النادرة خارج البلاد.

واجتمع كبار المسؤولين من وكالات الجمارك والتجارة والشرطة والتجسس الصينية في التاسع من مايو الماضي، لوضع استراتيجية لحملة تهدف إلى منع تهريب المعادن النادرة.

وبعد ثلاثة أيام، اجتمع مسؤولون من 11 وزارة وطنية وسبع مقاطعات، وأصدروا بياناً مشتركاً عبر وزارة التجارة.

وأشار البيان إلى أن «مراقبة صادرات المعادن الاستراتيجية مرتبطة بالأمن القومي ومصالح التنمية، وأن تعزيز الرقابة على سلسلة التصدير بأكملها هو الأساس»، كما دعا البيان إلى التتبع الشامل للمعادن النادرة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والنقل.

مؤشرات

وقالت مستشارة الاستخبارات السابقة في وزارة الدفاع الأميركية، كيرستن أسدال، والتي ترأس حالياً شركة «أسدال» الاستشارية المُتخصصة في شؤون الصين: «نرى تماماً الإجراءات المتزايدة التي تتخذها الصين خلف الكواليس لإحكام قبضتها المركزية على صادرات المواد الاستراتيجية».

وأضافت: «بهذه الطريقة يُمكن لبكين أن تُشدد أو تُخفف سياستها بدقة عالية واستجابة للظروف السياسية، وهي مؤشرات على استعدادها لاستخدامها كورقة ضغط مُتكررة لفترة طويلة مقبلة».

لم يتضح بعد ما اتفق عليه البلدان بالضبط بعد محادثات لندن، التي وُصفت بالتوتر، فقد قال ترامب في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعاء الماضي بأحرف كبيرة، إن «الصين ستوفر مسبقاً جميع المغناطيسات، وأي معادن أرضية نادرة ضرورية»، مضيفاً: «تم الاتفاق بيننا وبين الصين، وهو يخضع للموافقة النهائية من جانبي أنا والرئيس شي».

لكن الصين لم تعلن صراحة أن شحنات المعادن الأرضية النادرة ستعود إلى الولايات المتحدة كما في السابق.

ورداً على سؤال حول ذلك، اكتفى المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، هي يادونغ، خلال مؤتمر صحافي، بالقول إن الصين «وافقت على عدد معين من الطلبات المطابقة لشحنات المعادن الأرضية النادرة، وستواصل تعزيز هذه الموافقات».

وقال مدير معهد الاقتصاد الدولي في جامعة بكين، وانغ يوشينغ، إن «الصين تُحاول على الأرجح التهرب من التهديد بفرض قيود على الصادرات كوسيلة ضغط.. إنه ليس تخفيفاً كاملاً، وليس حظراً كاملاً كما كان من قبل»، مضيفاً: «هذه الحالة الوسيطة تسمح للصين بأن تكون أكثر استباقية نسبياً إذا قمعتها الولايات المتحدة».

مخاطر

استراتيجية الرئيس الصيني ليست خالية من المخاطر، وحتى مع تفوق بلاده على أميركا في ما يتعلق بالمعادن النادرة، فإن ترامب، على الرغم من تقلباته، قد يقرر اللجوء إلى فرض رسوم جمركية مجدداً أو فرض إجراءات عقابية أخرى ضد بكين إذا شعر بالإحباط من المفاوضات أو رأى أن صادرات الصين من المعادن النادرة لاتزال متأخرة.

كما أن اقتصاد الصين ليس قوياً كما كان في الحرب التجارية الأولى، حيث إن الصادرات، والتي تُعتبر المحرك الاقتصادي الرئيس للصين، تباطأت، والرسوم الجمركية على السلع الصينية التي ذكر ترامب أنها تبلغ 55%، ستظل ضارة باقتصاد البلاد.

ولاتزال سوق العقارات الصينية تحاول الخروج من الأزمة التي ألمت بها، كما تضررت إحدى أكثر الصناعات الواعدة في البلاد، وهي صناعة السيارات الكهربائية، من فائض الطاقة الإنتاجية وحرب أسعار قاسية.

وفي إشارة محتملة إلى قلق الحكومة إزاء تداعيات تباطؤ الاقتصاد الصيني على المواطنين العاديين، أعلنت الحكومة الصينية الاثنين الماضي عن توجيهات تهدف إلى «تلبية احتياجات الشعب العاجلة والصعبة والملحة» في الحصول على التعليم وخدمات رعاية المسنين والأطفال والتأمين الاجتماعي، على الرغم من أنها لم تُقدم سوى تفاصيل قليلة.

ومع ذلك، يراهن الرئيس الصيني على قدرته على الصمود أكثر من ترامب في حرب تجارية طويلة الأمد، مستغلاً تعرض ترامب للاستياء العام في الولايات المتحدة، وفقاً لمحللين صينيين. ويقول الباحث في العلاقات الدولية في شنغهاي، شين دينغلي، إن «السياسة الداخلية هي الجانب الضعيف» للولايات المتحدة. عن «نيويورك تايمز»

• بكين استطاعت أن تكسب الوقت لبناء نقاط قوتها وإطالة أمد المفاوضات مع الولايات المتحدة لتجعلها ترضخ لمطالبها.

هدنة هشة

وفر الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين، والذي تم التوصل إليه بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، الأسبوع الماضي، هدنة هشة للغاية في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، لين جيان، في مؤتمر صحافي أول من أمس: «لطالما أوفت الصين بالتزامها وحققت نتائج.. الآن وقد تم التوصل إلى توافق في الآراء يجب على الجانبين الالتزام به».

وأنهى الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أزمة اندلعت بعد أسابيع فقط من التوصل إلى اتفاق مبدئي في جنيف. وسرعان ما أعقب الاتصال المزيد من المحادثات في لندن قالت واشنطن إنها أكملت اتفاق جنيف لتخفيف الرسوم الجمركية المتبادلة.  بكين – رويترز