تصاعد التوتر بين الحكومة الفيدرالية الأميركية وولاية كاليفورنيا: هل هي أحداث شغب أم اختبار للسلطة؟

من الضروري أن نكون واضحين: مهاجمة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، تُعد جريمة يعاقب عليها القانون الأميركي، سواء استهدفت شرطة إدارة الهجرة والجمارك في لوس أنجلوس، أو قوات الشرطة المكلفة بحماية مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أعمال الشغب تعبيراً مشروعاً عن الاحتجاج مهما كان الدافع.
في هذا السياق، واجهت نائبة الرئيس السابقة، كامالا هاريس، انتقادات بسبب بيانها الذي خلا من إدانة صريحة لأعمال العنف في لوس أنجلوس، في الوقت الذي هاجمت الرئيس دونالد ترامب، بسبب إرساله الحرس الوطني، وانتقدت مداهمات إدارة الهجرة الأخيرة في كاليفورنيا.
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل أن نشر قوات فيدرالية في لوس أنجلوس كان خطوة تصعيدية وغير مبررة، إذ أُرسلت كتيبة من مشاة البحرية (المارينز)، رغم أن قوات الأمن المحلية كانت قادرة على احتواء الوضع.
واعتُبر تدخل الحكومة الفيدرالية بهذه الطريقة بمثابة صب الزيت على النار، ما زاد من التوترات وأطال أمد الاضطرابات.
السلطات المحلية
في النظام الأميركي، يُفترض أن تبقى القضايا المحلية بيد السلطات المحلية، ولا تتدخل القوات الفيدرالية إلا في حالات نادرة للغاية، وهو ما لم يتحقق في هذا الحدث، ما يثير القلق حول المستقبل وإمكانية تكرار هذا النهج.
وما زاد الطين بلّة، هو التراشق الكلامي بين الرئيس ترامب وحاكم ولاية كاليفورنيا، غافن نيوسوم، حيث هدد ترامب باعتقال نيوسوم وقطع التمويل الفيدرالي عن الولاية، بينما رد الأخير بالتهديد بإيقاف دفع الضرائب للحكومة المركزية، غير أن هذه المواجهات عززت الانقسام، وأسهمت في تحويل الأزمة إلى صراع سياسي أكثر من كونه أمنياً.
ومن ناحية أخرى، ساعدت المشاهد القادمة من لوس أنجلوس، ترامب على تقوية حججه السياسية، لاسيما في ما يتعلق برفض الهجرة غير الشرعية، في حين بدا أن نيوسوم يسعى إلى دفع ترامب نحو رد فعل مفرط قد يُنفر الأميركيين المعتدلين من سياساته.
الملاذ الأخير
قد يكون القضاء الملاذ الأخير، حيث دعا نيوسوم المحاكم إلى التدخل ومقاضاة الحكومة الفيدرالية على انتهاكاتها، لكن حتى الآن لايزال ترامب يتحرك ضمن الأطر القانونية، إذ لم يفعّل رسمياً «قانون التمرد لعام 1807»، بل اقتصر على حماية الممتلكات الفيدرالية.
إن تفعيل هذا القانون، سيكون نقطة تحول خطرة، لأنه يسمح بتدخل عسكري مباشر لقمع الاضطرابات، وقد يُثير موجة رفض قانوني وشعبي واسعة، ويدفع إلى إعادة تقييم مدى الصلاحيات الرئاسية.
وكان التاريخ الأميركي شهد استخدام هذا القانون من قبل رؤساء سابقين مثل جورج واشنطن وأبراهام لينكولن ودوايت د. أيزنهاور وآخرين، غير أن استخدامه ظل محاطاً بضوابط صارمة.
ويتفق كثيرون اليوم على أن القانون بحاجة إلى تعديل، مثل فرض حد زمني لنشر القوات دون موافقة الكونغرس.
ترامب، الذي يقال إنه نادم على ضعف رد فعله أثناء الاحتجاجات على قتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة البيض في 2020، يظهر حالياً أكثر تصعيداً، ومحاطاً بمستشارين لا يعارضونه إلا ما ندر، فوزير الدفاع الجديد بيت هيغسيث، أعلن أن قوات «المارينز» جاهزة للتدخل، ما يعكس رغبة الإدارة في الحسم السريع.
الهوية الأميركية
لكن المشاهد التي بيّنت متظاهرين يغلقون الطرق في لوس أنجلوس ويرفعون أعلاماً أجنبية، أثارت استياء شعبياً، وأعادت الجدل حول الولاء الوطني والهوية الأميركية.
وفي ظل هذا التصعيد، يبدو أن الحل الوحيد يكمن في التهدئة، لا في المواجهة. ويُنتظر من المتظاهرين، كما من السلطات، أن يتجنبوا التصرفات التي قد تؤدي إلى فوضى أوسع، لأن استمرار العنف لن يخدم أحداً، وقد تكون عواقبه وخيمة على الاستقرار الديمقراطي في البلاد. عن «واشنطن بوست»