تجمعات قبلية ترفض تحويل المطالب الاجتماعية إلى أجندات انفصالية في الصحراء

أعادت مداخلات بعض المحسوبين على جبهة “البوليساريو” الانفصالية، خلال الجلسة المخصصة لنزاع الصحراء المغربية ضمن أشغال اللجنة الخاصة بمناقشة قضايا الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، المعروفة اختصارا بـ (C-24)، النقاش حول ملكية الأراضي في الجنوب المغربي إلى الواجهة، بعد أن حاول أحد المتدخلين بالخارج تقديم نزاع عقاري محلي كقضية “استعمارية”؛ الشيء الذي أثار ردود فعل متباينة داخل الأوساط القبلية والحقوقية بالمنطقة.
وفي هذا الصدد، سارعت تنسيقية الأطر القانونية ولجان الأرض المنضوية تحت لواء قبائل آيتوسى بالمغرب إلى نفي أية صلة تنظيمية لها بهذا المتدخل، معتبرة أن الزج بقضية محلية ذات طابع مدني وقانوني في محافل أممية هو “تشويش مرفوض” على مسارات الحوار المفتوح مع مؤسسات الدولة ومحاولة معزولة لا تعكس موقف الأغلبية الساحقة من ذوي الحقوق الذين ما فتئوا يؤكدون على تشبثهم بالوحدة الترابية للمملكة واحتكامهم للعدالة المغربية.
وأكدت هذه الهيئات المدنية أن إشكالية تحفيظ الأراضي لا علاقة لها بالنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وأنها تندرج ضمن ملفات التدبير العقاري والتنمية المحلية، حيث عبرت الساكنة مرارا عن رغبتها في الانخراط في المشاريع الاستثمارية شريطة احترام الملكيات الخاصة والتشاور المسبق مع الأهالي، كما شددت على أنها تميز بوضوح بين سيادة الدولة وحق الملكية وتحترم سلطة القانون وتراهن على مؤسسات الدولة في إنصافها.
في المقابل، يرى مراقبون أن محاولة بعض الأصوات بالخارج تدويل ملف اجتماعي صرف تندرج ضمن مساعٍ عدائية لإعادة تسليط الضوء على الوضع الحقوقي بالأقاليم الجنوبية، في وقت يشهد فيه ملف الصحراء زخما دبلوماسيا متناميا، بعد توالي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء ونجاح الرباط في تكريس صورة الدولة الضامنة للحريات، مؤكدين أن “استغلال قضايا عقارية ذات طابع اجتماعي لإثارة قلاقل سياسية هو توجه مكشوف يراد منه أساسا تهديد التعايش القائم وتغذية الخطابات الانفصالية بالمنطقة”.
كما حذر متابعون من محاولات حثيثة لتقديم صورة مغلوطة عن واقع حقوق الإنسان بالصحراء المغربية عبر إحياء نقاشات من قبيل: “تقرير المصير” و”استغلال الثروات” و”الحقوق والحريات”، وتوظيف هذه الأساليب، كأداة لتهويل الرأي العام الدولي وثني الدول والمنظمات عن الانخراط في مسار الاعتراف المتزايد بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بما فيها هيئات الأمم المتحدة ولجانها الرئيسية.
موقف ميداني
كشف عضو في تنسيقية الأطر القانونية لحراك الأرض بأسا الزاك أن الحراك القائم لا يطرح مطلقا أي إشكال فيما يتعلق بالسيادة الوطنية، قائلا: “نحن كذوي الحقوق من المالكين المفترضين لأراضي قبائل آيتوسى الواقعة ضمن النفوذ الترابي لعمالة أسا الزاك، المنضوين تحت لواء لجان الأرض وتنسيقية الأطر، نميز بشكل واضح وصارم بين مسألة ملكية العقار التي تعد شأنا مدنيا صرفا وبين سيادة الدولة المغربية التي لا نقاش ولا خلاف حولها”.
وأوضح عضو التنسيقية، الذي رفض الكشف عن هويته، أن جوهر الحراك يتمثل في الاعتراض على ما اعتبره “حيفا في مساطر التحفيظ العقاري”، مشددا على أن التنسيقية تحتكم حصرا إلى مؤسسات الدولة؛ وفي مقدمتها القضاء المغربي، من أجل إنصاف الساكنة دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال الطعن في السيادة أو التشكيك في رموز الدولة”.
وأكد المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الهيئة تدعم الاستثمار وتشجع عليه؛ لكنها تشدد على ضرورة التشاور المسبق مع الملاك والسكان المحليين، حفاظا على التوازن الاجتماعي وضمانا لحسن الجوار المؤسساتي”.
نفي ارتباط
حول التصريحات الانفصالية خلال الاجتماع الأممي بنيويورك، قال العضو في تنسيقية الأطر القانونية لحراك الأرض بأسا إن “الشخص الذي أدلى بتلك التصريحات لا تربطه أية صلة تنظيمية لا بلجان الأرض ولا بتنسيقية الأطر، وتفاجئنا به مثلما تفاجئ به الرأي العام المحلي”، مبرزا أن “التنسيقية تنشط حصرا داخل المغرب وفي إطار ما يتيحه القانون المغربي”.
وأضاف المتحدث ذاته أن مشكل التحفيظ العقاري “واقعي وأدى إلى احتقان اجتماعي ملحوظ”؛ لكن التنسيقية حرصت دوما على احترام القانون والامتثال لقرارات السلطات العمومية، بل بادرت إلى اللجوء إلى القضاء بعد استنفاد مختلف أشكال الاحتجاج، مخافة ضياع الآجال القانونية للتعرضات.
وشدد العضو سالف الذكر على أن قبائل آيتوسى، المنتشرة عبر مناطق متعددة، قد تضم أفرادا يعتنقون توجها سياسيا مغايرا؛ “لكننا لسنا مسؤولين عن آرائهم، ولا تربطنا بهم أية علاقة تنظيمية، رغم انحدارهم من نفس الجهة أو القبيلة”.
وزاد: “مواقفنا واضحة ولا تقاطع بينها وبين ما صرح به في الخارج؛ بل نعتبرها حالات معزولة تمثل أقلية ضئيلة لا يمكن القياس عليها، مقابل الآلاف من ذوي الحقوق الذين يؤمنون بعدالة ملفهم في إطار احترام الثوابت الوطنية، وفي صدارتها الوحدة الترابية للمملكة”.
سياق الاجتماع
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، سجل أن من المهم بداية توضيح ما جرى في الأمم المتحدة مؤخرا، لافتا إلى أن الأمر يتعلق باجتماع للجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، المعروفة بلجنة الأربعة والعشرين (C-24)، وهي هيئة أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1961، في سياق تاريخي متعلق بنضالات الشعوب المستعمرة، لا سيما الإفريقية منها.
وأكد الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الأمم المتحدة تصنف الصحراء المغربية ضمن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي لأسباب تاريخية معقدة، متعلقة بطبيعة القرارات داخل المنظمة الأممية وبحالة الاستقطاب الدولي، خاصة في ظل تدخلات بعض الدول كحالة الجزائر، التي تدعم جبهة “البوليساريو” ليس إيمانا بمبادئ القانون الدولي؛ بل خدمة لأطماع جيوسياسية ورغبة في التحكم الإقليمي وتصدير الأزمات الداخلية.
وأوضح نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن المشاركة في جلسات اللجنة لا تتطلب سوى التسجيل المسبق باسم جمعية مدنية، دون تحقق فعلي من أهلية أو اختصاص المتدخل؛ وهو ما يفتح الباب أمام التلاعب وسوء الفهم، واستغلال المنصات الدولية لنشر معلومات مضللة أو مغلوطة تخدم أجندات خارجية.
وفي هذا الصدد، أشار الحقوقي ذاته إلى أن “كثيرا من المشاركين لا يدركون حتى اختصاصات اللجنة ولا خلفيات القضايا التي تطرح أمامها”.
ازدواجية الخطاب
وانتقد عبد الوهاب الكاين الخطاب المروج لأطروحة الانفصال، واصفا إياه بـ “المتكلس” الذي يردد شعارات غير واقعية؛ فيما يغض الطرف عن جرائم القتل والقمع والتعذيب الممنهج في مخيمات تندوف، حيث قتل 21 شابا منذ 2014 إلى أبريل 2025، من دون أي إدانة أو فتح تحقيق، مقابل تضخيم حوادث معزولة في الصحراء المغربية لا تخرج عن سياق المراقبة الأمنية الروتينية.
وأكد رئيس منظمة “أفريكا ووتش” أن العمل الحقوقي ينبغي أن يُبنى على مبادئ الشمولية والحياد وعدم الانتقائية، متسائلا عن مصير آلاف النداءات للتحقيق في جرائم تندوف، وعما إذا كانت منظمات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان قد تواصلت مع ضحايا هذه الانتهاكات. كما استحضر حالة منوهة محمد ايحظيه ولد البد ولد الطريح، باعتبارها نموذجا صارخا للمتاجرة بالمآسي من طرف قيادات البوليساريو.
مغالطات قبلية
وعبّر الكاين عن استغرابه من مشاركة شابين في الاجتماع باسم تنسيقيات قبائل، موردا أنهما وقعا ضحية لتأطير مضلل وجهل بالقانون الدولي، إذ سوقا لقضية محلية ذات طابع اجتماعي – تنموي كملف الأرض في آسا الزاك، على أنها قضية تقرير مصير أو نزاع سيادي؛ وهو ما يتنافى كليا مع حقيقة الحراك المحلي الذي لم يشكك يوما في السيادة الوطنية، على حد تعبيره.
وتابع رئيس منظمة “أفريكا ووتش” قائلا: إن ساكنة المنطقة تطالب بتحفيظ أراضيها وتحقيق التنمية، دون أن تُسجَّل أي مطالب سياسية أو انفصالية، أو رفض لقرارات الدولة، مؤكدا أن “بعض الجهات الخارجية تحاول تضخيم قضايا محلية بهدف تشويش الصورة الحقوقية للمغرب في المحافل الأممية”.
وذكر الفاعل الحقوقي بأن السلطات لم تتدخل لقمع الحراك في آسا الزاك، بل رافقت التعبيرات الاحتجاجية رغم عدم ترخيص بعضها، ولم تسجل أية حالات اعتقال على خلفية هذه الاحتجاجات؛ بل سُجلت حالات تضييق اجتماعي من بعض النشطاء المحليين أنفسهم الذين استخدموا خطاب التخوين ضد زملائهم بهدف إسكات الأصوات المطالبة بالتحفيظ والإنصاف.
خلفيات التدويل
بخصوص تدويل الملف، أكد الكاين أن تحريك الملف في لجنة 24 محاولة بائسة لإعادة الحياة إلى أطروحة مفلسة، في ظل التقدم الذي يعرفه ملف الصحراء بفضل الاعترافات الدولية المتتالية بمغربية الصحراء والتزام المملكة بحقوق الإنسان وحرية التعبير واستقلالية القضاء وسيادة القانون.
وفي هذا السياق، حذر المتحدث ذاته من تسييس قضايا اجتماعية محلية ومحاولة ربطها بالسيادة الوطنية، مبرزا أن الدولة لا تخضع لابتزاز أو مغالطات؛ بل تمتلك من المؤسسات والآليات ما يمكنها من حماية أمنها ووحدتها، بعيدا عن “شطحات فايسبوكية وغلو قبلي” لا يخدم إلا أعداء التعايش والسلم في المنطقة.