إلى أي وجهة يتجه العالم؟

سؤال يفرض نفسه في ظل مشهد جديد من صراع قديم يتكرّر على خشبة الشرق الأوسط. ضربة إسرائيلية مباغتة تستهدف مواقع نووية إيرانية، إضافة إلى قادة عسكريين وعلماء في البرنامج النووي، يتبعها سيل من التصريحات النارية من طهران. وبينما يقف المجتمع الدولي بين القلق والدعوات المتكررة إلى “ضبط النفس”، تتأرجح المنطقة فوق برميل بارود مفتوح.
لقد اختارت إسرائيل مجددًا منطق الحسم العسكري، معلنة أنها بصدد عملية مفتوحة قد تمتد “بقدر ما يلزم من أيام”. خطوة تنمّ عن اندفاع غير محسوب، تتجاهل هشاشة التوازنات الإقليمية، وقد تفضي إلى عواقب وخيمة حتى على من بدأها؛ فالحروب في هذه المنطقة لا تنتهي كما تبدأ، والتاريخ شاهد لا يُخدع.
في المقابل، لا يمكن إغفال أن إيران تخوض حروبًا بالوكالة عبر جماعات مسلحة؛ كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. وخطابها المليء بالتهديدات والوعود بالثأر لا يقدّم بديلًا سياسيًا؛ بل يرسّخ منطق المواجهة ويعطّل أي أفق للحل.
أمام هذا التصعيد، يظهر المجتمع الدولي كمتفرج عاجز. بيانات الإدانة والدعوات إلى التهدئة لا تكفي، والقوى الكبرى تتصرف كأنها تنتظر الانفجار لتتحرك، لا لتمنعه. أما المنطقة، فهي عالقة في نزاع تتشابك فيه المصالح الاستراتيجية والتجارية والجيوسياسية، ويتقدم فيه السلاح على السياسة.
مضيق هرمز، الذي يعبره نحو خُمس استهلاك العالم من النفط، عاد إلى صدارة المشهد. ومع أن تهديدات إيران بإغلاقه ليست جديدة، إلا أن تكرارها في هذا التوقيت الحرج ينذر بعواقب اقتصادية عالمية، خاصة في ظل هشاشة الأسواق وسلاسل الإمداد.
ما نعيشه اليوم هو نتيجة لتراكم سنوات من العناد والاندفاع، ومن غياب أي مسار تفاوضي جاد. الدروس المؤلمة من الماضي لم تُستوعب بعد. ألم تكفِ حرب العراق مثالًا؟ حين اجتمع الخطاب المتشدد مع القرار المتهور، اندلعت حرب كارثية بدوافع ثبت لاحقًا زيفها، وخلّفت فوضى لا تزال آثارها قائمة.
المطلوب اليوم ليس تبرير أي طرف؛ بل محاسبة الجميع على ما أوصل المنطقة إلى هذا المنزلق. فالحرب ليست بطولة، والتلويح بها ليس شجاعة. الشعوب وحدها من يدفع الثمن، مرة تلو أخرى، بلا أفق ولا نهاية.
الحل لا يكمن في مزيد من التهديدات أو التصعيد، بل في العودة إلى العقل. ذلك يتطلب مسارًا سياسيًا يبدأ بوساطة متعددة الأطراف تضم قوى إقليمية ودولية ذات نفوذ حقيقي، ويُدعم بضغط دبلوماسي متوازن يرغم الطرفين على وقف التصعيد والانخراط في مفاوضات مسؤولة. كما أن الاستثمار في مشاريع أمن جماعي إقليمي لم يعد خيارًا، بل ضرورة لتجنيب المنطقة دوامات الصراع المتكررة.
لقد بات واضحًا أن العالم لم يعد يحتمل أزمات جديدة، وأن الشرق الأوسط لا يتحمل مزيدًا من المغامرات. آن أوان تحمّل المسؤولية، قبل أن تتحوّل الضربة إلى دوامة لا مخرج منها.