وثيقة برلمانية تسجل “التغيير التاريخي” في موقف المملكة المتحدة من قضية الصحراء

وثيقة برلمانية تسجل “التغيير التاريخي” في موقف المملكة المتحدة من قضية الصحراء

أصدرت مكتبة مجلس العموم البريطاني، أمس الخميس، وثيقة مرجعية موسومة بعنوان “Western Sahara”، تؤرخ لموقف الحكومة البريطانية الجديد وتقيم مجريات النزاع على ضوء التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.

وجاءت هذه الإحاطة، التي تتوفر جريدة هسبريس الإلكترونية على نسخة منها، في أعقاب الزيارة الرسمية التي قام بها ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، إلى المملكة المغربية، والتي أفضت إلى توقيع بيان مشترك حمل اعترافا ضمنيا بمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق والواقعية لتسوية النزاع.

الدعم البريطاني

الوثيقة، التي تحمل رقم CBP-9906والتي أعدتها الباحثة البرلمانية لويسا بروك-هولاند، تسجل لأول مرة انتقال لندن من موقف الحياد الذي ظل يسم وضع الصحراء بـ”غير المحدد”، إلى تبنٍّ سياسي واضح لمقترح الحكم الذاتي؛ وهو المقترح الذي قدمته الرباط للأمم المتحدة سنة 2007، ويحظى اليوم بدعم عدد متزايد من القوى الدولية الكبرى.

وأكدت الوثيقة، التي صُممت لتكون مرجعا للبرلمانيين وصنّاع القرار البريطاني، أن الوزير لامي صرح، خلال زيارته للرباط، بأن “المملكة المتحدة تعتبر الحكم الذاتي داخل الدولة المغربية هو الأساس الأكثر واقعية ومصداقية وديمومة لحل متفق عليه ودائم لنزاع الصحراء”، مشيرة إلى أن “المملكة المتحدة ترى في المقترح المغربي منصة عملية لإنهاء النزاع بما ينسجم مع التزاماتها في مجال دعم الاستقرار الإقليمي”.

كما لم تقتصر الوثيقة على عرض الموقف البريطاني الجديد؛ بل أدرجت ضمن تحليلها مجموعة من المواقف الدولية التي تصبّ في الاتجاه نفسه، من أبرزها اعتراف الولايات المتحدة، خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؛ وهو الاعتراف الذي لم تتراجع عنه إدارة بايدن، إضافة إلى تأييد إسبانيا في مارس 2022 لمبادرة الحكم الذاتي واعتبارها “الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية”، إلى جانب دعم فرنسي صريح عبر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون خلال خطاب رسمي أمام البرلمان المغربي في أكتوبر 2024.

جهود التسوية

نوّهت الوثيقة بالدينامية التي خلقتها المشاريع التنموية التي أطلقتها المملكة المغربية في الأقاليم الجنوبية، وبحجم الاستثمارات العمومية والخاصة التي تم ضخها في المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي، معتبرة أن “المغرب أنفق موارد ضخمة لتحديث وتطوير البنية التحتية في الصحراء”.

وعلى الرغم من دعمها الواضح للمقترح المغربي، فإن الوثيقة شددت على أن المملكة المتحدة تظل داعمة للمسار الأممي، مبرزة أهمية دور ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. كما كشفت أن لندن مستعدة “للعمل بنشاط على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي لدعم هذا التوجه”، مشيدة في الوقت ذاته بما أبداه المغرب من “انفتاح على توسيع مضمون الحكم الذاتي” في أفق استئناف مفاوضات جدية.

انتقادات جزائرية

في المقابل، رصدت الوثيقة رد فعل الجزائر، التي عبرت عن “أسفها” إزاء الموقف البريطاني الجديد، مشيرة إلى أن لندن لم تصل إلى حد الاعتراف بسيادة المغرب بشكل رسمي؛ لكنها في الوقت ذاته “لم تنف دعمها السياسي القوي للمقترح المغربي”.

ووفق ما نقلته الوثيقة، فقد أكدت الحكومة البريطانية استمرار التزامها بمبدأ “تقرير المصير”، كما هو وارد في ميثاق الأمم المتحدة، دون أن تعتبره يتناقض مع مبادرة الحكم الذاتي.

حري بالذكر أن الوثيقة تظهر كيف أن المغرب بات يعزز حضوره الدبلوماسي على الساحة الدولية، ليس فقط من خلال تعدد الاعترافات بمبادرته؛ بل أيضا من خلال قدرته على استثمار الشراكات الاقتصادية والسياسية لترسيخ مواقفه السيادية في ملف يعتبر من أولويات الدولة المغربية.