حادثة تارودانت تثير المخاوف بشأن أمان البطيخ الأحمر في المغرب

أثارت الحادثة التي وقعت يوم الأحد الماضي بدوار تابع لجماعة مشرع العين في إقليم تارودانت حالة من القلق والاستفهام، بعد إصابة عدد من السكان، غالبيتهم أطفال، بتسمم غذائي جماعي إثر تناولهم فاكهة البطيخ الأحمر (الدلاح)، نقلت 12 حالة منهم إلى المستشفى الإقليمي، وظهرت عليهم أعراض حادة تمثلت في مغص شديد، غثيان، إسهال، وارتفاع في درجة الحرارة. وتزامنت هذه الواقعة مع تزايد الإقبال على هذه الفاكهة خلال فصل الصيف، مما أثار تساؤلات حول مدى سلامتها، وتأثير العوامل المناخية أو شروط التخزين والنقل على جودتها. ولم تصدر السلطات الصحية بعد بيانا رسميا يوضح مصدر التلوث، واكتفت بالإعلان عن فتح تحقيق طبي وتقني لتحديد الأسباب بدقة.
تعد فاكهة البطيخ الأحمر من أكثر المنتجات الفلاحية رواجا خلال فصل الصيف بالمغرب؛ إذ تستهلك بكثافة في المدن والقرى على حد سواء، نظرا لطراوتها وسعرها المتاح نسبيا. ومع حلول موسمها، تملأ الأسواق الشعبية وعربات الباعة المتجولين، مما يجعلها عرضة لعوامل عديدة قد تؤثر على جودتها، خاصة عندما تعرض تحت أشعة الشمس المباشرة، أو تنقل من مناطق الإنتاج إلى الأسواق دون احترام معايير السلامة الصحية.
وتطرح حادثة تارودانت تساؤلات ملحّة حول سلاسل التوزيع والمراقبة الصحية للمنتجات الفلاحية سريعة التلف، مثل البطيخ الأحمر. فبينما يشكك البعض في ظروف التخزين والنقل، يرى آخرون أن غياب المراقبة الصارمة في بعض الأسواق العشوائية قد يكون سببا مباشرا في تكرار حالات التسمم الغذائي. وتزداد هذه المخاوف في ظل الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، الذي يسرّع من تكاثر البكتيريا والميكروبات داخل الفواكه المكشوفة أو المخزّنة بشكل غير ملائم.
في هذا السياق، أطلق نشطاء ومستهلكون على منصات التواصل نداءات إلى السلطات المعنية من أجل تعزيز المراقبة الصحية، ومحاسبة الموزعين الذين يخرقون شروط السلامة. كما دعت بعض الجمعيات إلى إطلاق حملات تحسيسية توجّه المواطنين نحو طرق اقتناء الفواكه وتخزينها بشكل آمن. وبينما لا تزال نتائج التحاليل المخبرية المرتبطة بحادثة تارودانت قيد الانتظار، يعيد هذا الحادث إلى الواجهة النقاش المتجدد حول جودة المنتجات الفلاحية الموسمية، وضرورة إرساء نظام تتبع فعّال يضمن سلامة المستهلك في مختلف مراحل السلسلة الغذائية.
“زراعة دقيقة”
عبد الحكيم، مهني متخصص في زراعة البطيخ الأحمر، قال إن هذه الفاكهة تعد من المزروعات الحساسة التي تتطلب شروطا دقيقة في الري والتسميد، مشيرا إلى أن أي خلل في التوازن بين المكونات العضوية والمواد الكيميائية قد يؤدي إلى اضطرابات في النضج والجودة. وأضاف أن بعض الفلاحين يلجؤون أحيانا إلى استعمال مواد غير مراقبة بهدف تسريع النمو أو تحسين المظهر الخارجي للثمرة، وهو ما يشكل خطرا صحيا حقيقيا إذا لم تحترم الكميات المسموح بها.
وأوضح عبد الحكيم، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن نقل البطيخ من مناطق الإنتاج إلى نقاط البيع يجب أن يتم في شاحنات مبرّدة، لأن الفاكهة تفقد جزءا من خصائصها الطازجة إذا تعرضت لدرجات حرارة مرتفعة خلال ساعات النقل. ولفت إلى أن مدة صلاحية البطيخ بعد جنيه لا تتعدى عشرة أيام في الظروف المثالية، وأن تعريضه لأشعة الشمس المباشرة في الأسواق أو لدى الباعة الجائلين قد يسرّع من فساده، ويزيد من احتمالية تعرض المستهلك لتسمم غذائي في حال استهلاكه دون مراعاة شروط السلامة.
كما نبّه المتخصص ذاته إلى أن اختراق البطيخ لبيئته الطبيعية – سواء عبر فتحه جزئيا للعرض أو عبر ثقبه خلال عمليات النقل والتخزين – يعدّ من العوامل المؤثرة في تعفنه المبكر. وأشار إلى أن بعض التجار قد يعمدون إلى هذه الممارسات بقصد إظهار نضج الثمرة أو جاذبيتها البصرية، دون إدراكهم لخطورة تعريض لبّ الفاكهة المباشر للهواء والبكتيريا. لذلك، أوصى المهني بتشديد المراقبة على مراحل تسويق البطيخ، من الضيعة إلى السوق، لحماية صحة المستهلك وضمان جودة المنتوج.
“خطر صيفي”
من جهته، قال علي شتور، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق المستهلك، إن ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف يؤدي إلى ازدياد حالات التسمم الغذائي، خاصة في المغرب، حيث تعزى هذه الظاهرة إلى عوامل عدة، من بينها سوء تخزين الأطعمة، وتناولها من مصادر غير موثوقة، مثل الأسواق العشوائية ومحلات الوجبات السريعة غير المراقبة.
وأكد شتور، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الفواكه الصيفية تعد من أكثر الأطعمة عرضة للتلوث البكتيري، لا سيما حين تعرض في أماكن غير مغطاة وتحت أشعة الشمس المباشرة. وشدّد على أهمية غسل هذه الفواكه جيدا وتبريدها قبل تناولها، باعتبار ذلك من الخطوات الأساسية التي تقلّل من خطر الإصابة بالتسمم الغذائي.
وأوضح المتحدث أن من بين البكتيريا الشائعة التي تتسبب في التسمم الغذائي خلال الصيف، نجد السالمونيلا، والإشريكية القولونية، والكامبيلوباكتر، وهي كائنات دقيقة قد تنمو بسرعة في الأطعمة إذا لم تحترم شروط النظافة والحفظ. وأضاف أن الوقاية من هذه المخاطر تبدأ من وعي المستهلك بطرق الشراء السليمة، وتمر عبر مراقبة صارمة من الجهات المختصة لمسارات التوزيع، خاصة في الفترات التي تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة.
ولتفادي التسمم الغذائي، دعا رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق المستهلك إلى الالتزام بعدد من الإرشادات الأساسية، من أبرزها: شراء الأطعمة من محلات موثوقة تخضع للمراقبة، وتخزين المواد القابلة للتلف في الثلاجات وعدم تركها في درجة حرارة الغرفة لفترات طويلة، إلى جانب غسل الفواكه والخضروات بشكل جيد قبل استهلاكها، والامتناع عن تناول الأطعمة المعروضة لدى الباعة الجائلين أو في الأسواق العشوائية.
وأضاف رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق المستهلك أن الجمعية تطالب الجهات المسؤولة بفرض مراقبة صارمة ومستمرة، لا موسمية، لأن هذا النوع من المراقبة لم يثبت نجاعته إلى حد الآن. وشدّد على ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه التلاعب بصحة المواطن.