اقتراب نهاية نظام الملالي.. واغتيال خامنئي مجرد مسألة وقت

ما تشهده إيران من ضربات إسرائيلية دقيقة لا يمكن قراءته كمجرد تصعيد عسكري عابر. إنها لحظة مفصلية في إعادة تعريف التوازن الإقليمي، واستهداف مباشر للبنية التي يقوم عليها نظام الملالي. العملية لا تقتصر على المنشآت النووية أو الصاروخية؛ بل تطال الجوهر العقائدي والسياسي لنظام بات عاجزًا عن التعايش مع أية صيغة استقرار في الشرق الأوسط.
الهجوم، الذي جاء بغطاء استخباراتي متقدم وتنسيق صامت مع واشنطن، يُجسد تتويجًا لمسار طويل، بدأ من الضربات غير المعلنة وتكثّف بعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، وما تلاها من عدوان عنيف على غزة خلّف آلاف الضحايا المدنيين. إسرائيل، التي واجهت عزلة أخلاقية متزايدة بسبب الحرب على غزة، وجدت في التصعيد ضد إيران فرصة لاستعادة المبادرة وخلط الأوراق الإقليمية.
ومع أن مسؤولين إسرائيليين نفوا رسميًّا نية استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي؛ إلا أن تسلسل العمليات ونوعية الأهداف يوحيان بأن رأس النظام لم يعد خارج الحسابات. في منطق هذه الحرب، لم تعد إسرائيل تُفرّق بين البنية العسكرية وبين البنية الرمزية التي تمنح النظام استمراريته. اغتيال خامنئي، إن لم يكن مطروحًا علنًا، فهو في عمق السيناريوهات المتقدمة، ومسألة وقت أكثر منه خيارًا مؤجلًا.
وعلى الرغم من أن الضربات تُبرر دوليًا بالحديث عن منع التسلح النووي، فإن تناقض الخطاب الأخلاقي يبقى صارخًا. العالم، الذي يغضّ الطرف عن صور الأطفال تحت الركام في غزة، يبرر القصف في طهران تحت عنوان “الأمن العالمي”. ازدواجية المعايير هذه تعمّق هشاشة النظام الدولي، وتكشف أن ميزان الأخلاق ما زال رهينة موازين القوة.
طهران تعيش اليوم أخطر مراحلها. اختراقات أمنية، اغتيالات نوعية، وانهيار لأذرع النفوذ. مقتل حسن نصر الله شكّل ضربة رمزية قاسية لنفوذ إيران في المشرق، ولبنان بات على أبواب تحوّل سياسي واقعي يتجاوز مقولات “المقاومة” التقليدية. حزب الله، المأزوم داخليًا والمكشوف عسكريًا، فَقَدَ مركزية دوره الإقليمي.
أما في سوريا، فقد سقط النظام فعليًّا بعد فرار بشار الأسد إلى روسيا وتولي الرئيس أحمد الشرع زمام الحكم. دمشق، التي شكّلت لسنوات قاعدة لوجستية وسياسية لطهران، بدأت بانتهاج مسار جديد، مع تأكيدات معلنة بفتح قنوات تواصل مع إسرائيل، ضمن إعادة تموضع اضطرارية أكثر منها خيارًا سياديًّا. المحور الذي حمل راية “الممانعة” انهار دون معركة، وانتهى دون إعلان.
واشنطن، من جهتها، لم تكن على الحياد. الدعم الاستخباراتي والتقني لإسرائيل يعكس قناعة متزايدة بأن مرحلة ما بعد طهران باتت أولوية استراتيجية؛ لكن القلق الأمريكي يظل قائمًا: فغياب خطة انتقالية في بلد بحجم إيران، بما يملكه من قدرات ومكونات متنافرة، قد يُطلق موجات فوضى نووية وطائفية تتجاوز حدود الجمهورية الإسلامية.
لهذا، فإن لحظة السقوط، حين تقع، يجب ألا تُستقبل بالاحتفال؛ بل بالتفكير العميق. من يملأ الفراغ؟ هل يُسمح للشعب الإيراني بأن يكون فاعلًا في إعادة بناء بلده، أم أن التدخلان الأجنبية ستعيد إنتاج كارثة شبيهة بما جرى في العراق أو ليبيا؟ هذه الأسئلة لا تقل أهمية عن الضربات نفسها.
سقوط نظام الملالي بات وشيكًا. وخامنئي، رغم كل مظاهر الحضور، لم يعد في مأمن. لكنه لن يكون نهاية كل شيء؛ بل بداية مرحلة جديدة، مفتوحة على احتمالات لا تنضبط إلا إذا كُتبت بالعقل، لا بالثأر، وبالعدالة لا بالانتقام. المنطقة تُعاد تشكيلها من جديد؛ لكن السلام لن يكون تلقائيًا. إنه خيار يحتاج لمن يصنعه، لا لمن يتفرج عليه.