المغرب يعيد تنظيم القضايا الدولية خلال اجتماعات “اللجنة 24” في نيويورك

المغرب يعيد تنظيم القضايا الدولية خلال اجتماعات “اللجنة 24” في نيويورك

في سياق الدينامية المتصاعدة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية على الصعيدين الإقليمي والدولي، شكلت اجتماعات لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، المنعقدة هذا الأسبوع في نيويورك، محطة إضافية لتكريس الدعم المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة المغربية كحل واقعي وعملي وذي مصداقية تحت سيادتها الوطنية.

وقد اعتبر عدد من الخبراء والمحللين أن هذه الدورة لم تخرج عن السياق العام الذي يطبع مسار هذا الملف منذ سنوات؛ بل جاءت لتؤكد مرجعية قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الداعية إلى حل سياسي للنزاع المفتعل، وسط حضور مغربي وازن ومعبّر عن إرادة الساكنة المحلية بالأقاليم الجنوبية.

وفي الوقت الذي نوّه فيه المتتبعون بالمضامين التي حملتها مداخلات الوفد المغربي، وما أبرزته من منجزات تنموية وديمقراطية على الأرض، نُبّه إلى ضرورة التحول من موقع التفاعل إلى موقع المبادرة داخل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة التي تُعد الفضاء الحاسم في هذا النزاع باعتبارها الجهة المعتمدة للتوصيات الصادرة عن لجنة الـ24.

ويرى بعض الخبراء أن الفرصة باتت مواتية للمغرب كي يتقدم بمشروع قرار مستقل يُكرّس مغربية الصحراء، خاصة في ظل التراجع المتواصل لدور الجزائر وتآكل مصداقية طرحها الانفصالي؛ وهو ما من شأنه أن يُمهد لحسم الملف نهائيا داخل أجهزة الأمم المتحدة، وإغلاق قوس هذا النزاع المفتعل بصفة نهائية.

وفي هذا الإطار، قال لحسن أقرطيط، الباحث المغربي في العلاقات الدولية، إن خلاصات اجتماعات اللجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، والتي انعقدت هذا الأسبوع في نيويورك، لا تخرج عن المسار العام الذي يعرفه ملف النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء؛ بل إنها تندرج في سياق الدينامية المتواصلة التي يشهدها الملف على مستوى الدعم السياسي والدبلوماسي الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، التي تقترحها المملكة المغربية تحت سيادتها الوطنية.

وأبرز أقرطيط، ضمن تصريح لهسبريس، أن “النقاشات التي شهدتها هذه الاجتماعات تؤكد في مجملها على روح القرار الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، الداعي إلى إيجاد حل سياسي للنزاع، وعلى التوجهات التي كرّسها قرار مجلس الأمن رقم 2756 الداعي إلى حل واقعي وعملي ومستدام، يجد ترجمته اليوم في دعم متصاعد لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الأوحد والوحيد الكفيل بإنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل”.

وأشار الباحث المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن “اللافت في هذه الدورة كان الحضور القوي والمعبّر للوفد المغربي، الذي ضمّ في تركيبته شخصيات تمثل الساكنة المحلية بالصحراء المغربية وفاعلين من المجالس المنتخبة ممن عبّروا في مداخلاتهم عن ما تحقق من منجزات اقتصادية واجتماعية وسياسية في أقاليم الجنوب وأبرزوا المكانة المتقدمة التي بلغتها هذه الأقاليم في مسار التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة”.

وأضاف المتحدث عينه: “قد شكلت الإشارات إلى البنيات التحتية والمشاريع الكبرى والمكتسبات الديمقراطية والتنموية ركائز أساسية في مداخلات الوفد المغربي، في ظل التأكيد على تفعيل المجالس التمثيلية والدور المتنامي للساكنة المحلية في صناعة القرار التنموي؛ بما يعكس جدية المملكة في تفعيل الجهوية المتقدمة وربط التنمية بالإرادة الشعبية المحلية”.

وأردف أقرطيط: “كما تم التذكير في الاجتماعات بالمخطط التنموي لسنة 2015، وبما حققه من نتائج ملموسة، إلى جانب إبراز دور الأقاليم الجنوبية كمركز استراتيجي في الرؤية الأطلسية للمملكة، وواجهة بحرية أساسية في بعدها الجيواستراتيجي والاقتصادي”.

وأكد الباحث سالف الذكر أن “الحضور الوازن لمنتخبي الأقاليم الجنوبية ضمن فعاليات لجنة الـ24 يُعد في حد ذاته ردا عمليا على الطرح الانفصالي، وتكذيبا واضحا لدعاوى أعداء الوحدة الترابية. كما يعكس عمق التحول الذي يعرفه هذا الملف على المستوى الدولي، حيث بات التوجه العام يسير نحو الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في ظل الإشادة المتواصلة بمبادرة الحكم الذاتي والاعتراف المتزايد بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.

وختم أقرطيط تصريحه بالقول: “يبرز من خلال هذا الزخم المتنامي أن الدينامية التي يعرفها المسار السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة لم تعد تترك أي مبرر لبقاء هذا الملف ضمن أجندة لجنة الـ24، لا سيما في ظل تعبير الساكنة المحلية من خلال ممثليها عن مواقف واضحة تؤكد الارتباط الوثيق بالوطن الأم والانخراط في مسار تنموي ديمقراطي داخل المؤسسات الشرعية للمملكة المغربية”.

من جانبه، أكد أحمد نور الدين، خبير العلاقات الدولية، أن التوصيات الصادرة عن لجنة الـ24 يتم اعتمادها لصياغة القرار السنوي الذي تصدره اللجنة الرابعة حول قضية الصحراء المغربية.

وأوضح نور الدين، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هنا تكمن خصوصية هذا الملف، إذ إن الجزائر التي تزعم الحياد هي من تتقدم سنويا بمشروع القرار حول الصحراء”.

وعلق الخبير في العلاقات الدولية قائلا: “للأسف، ومنذ سنة 1975، يكتفي المغرب غالبا بإدخال تعديلات طفيفة على مشروع القرار الجزائري، ثم يصوّت عليه دون تحفظ، باستثناء مرتين فقط. وهذا أمر مؤسف، يُعدّ تواطؤا غير مقبول، ويشكل نقطة سوداء في أداء الدبلوماسية المغربية”.

وأكد المصرح عينه أن “المطلوب من المغرب اليوم هو التقدم بمشروع قرار مستقل يُعبر عن الموقف المغربي، مع تعبئة الدول الشقيقة والصديقة لحشد الدعم اللازم؛ وهو ما يتطلب تعبئة ما لا يقل عن 80 صوتا داخل اللجنة الرابعة”.

ونبّه نور الدين إلى أن هذا الرقم ليس بعيد المنال، خاصة في ظل تراجع الدعم للجزائر وعزلتها المتزايدة، بعد أن بات واضحا أن ملف الصحراء ليس سوى أداة تستغلها الجزائر لتصفية حساباتها التاريخية والجيوسياسية مع المغرب.

وقال: “إذا نجح المغرب في تمرير قرار واضح داخل اللجنة الرابعة يعترف بمغربية الصحراء ويقر بتمتع الأقاليم الجنوبية بالحكم الكامل، فإن ذلك سيعني الطي النهائي لهذا الملف في كل أجهزة الأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن؛ لأن هذا الأخير لا يزال يناقش القضية فقط لأنها لا تزال مطروحة أمام اللجنة الرابعة”.

وخلص الخبير ذاته إلى القول إن “أمّ المعارك في ملف وحدتنا الترابية يجب أن تُخاض داخل اللجنة الرابعة، التي تتفرع عنها لجنة الـ24؛ فهذه الأخيرة لا تصدر إلا توصيات تُعتمد في قرارات اللجنة الرابعة. وإذا كسبنا المعركة داخل هذه اللجنة، فسيُطوى الملف إلى الأبد”.