رهانات إيران على زعزعة الاستقرار تظل تهدد مصالح المغرب

رهانات إيران على زعزعة الاستقرار تظل تهدد مصالح المغرب

وسط اشتداد التناحر الإقليمي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة إسرائيل تتعاظم الأسئلة حول التداعيات الممكنة لهذا الصراع على موازين التحالفات والمواقف في الجوار المغاربي، ولاسيما في ما يتصل بقضية الصحراء المغربية.

إيران، التي لم تُخفِ عداءها المبدئي للوحدة الترابية للمغرب، تتوسل بوسائط غير مباشرة ـ عبر دعمها جبهة البوليساريو وتحالفها الإستراتيجي مع الجزائر؛ لبسط تأثيرها داخل شمال إفريقيا.

ومن الجهة المقابلة يواصل المغرب تثبيت مكتسباته الدبلوماسية المتنامية، ولاسيما بعد الاعتراف الأميركي التاريخي بمغربية الصحراء، واستتباعه بسلسلة من المواقف الدولية المؤيدة.

وفي ضوء تحوّلات موازين القوة في الإقليم يُطرح السؤال بصيغة استباقية: إلى أي مدى قد تنعكس ارتدادات هذا الصراع الجيوسياسي على القضية الوطنية الأولى للمملكة؟.

تعي الرباط، حسب خبراء في الشأن الجيوسياسي، بحسٍّ إستراتيجي نافذ، أنّ المناخ التصادمي المستعر بين طهران وتل أبيب ليس إلا تجلياً من تجليات إعادة تشكّل البنى الأمنية والجيوسياسية في رقعة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما تحمله من مآلات قد تطال بتداعياتها غير المباشرة لبّ المصالح المغربية العليا، وفي صدارتها قضية الصحراء.

تقاطعات جيوسياسية

يرى نبيل بادو، أستاذ الجغرافيا السياسية بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، أن الصراع الإيراني الإسرائيلي يتجاوز كونه مواجهة عسكرية أو عقائدية، ليشكّل صراعًا على النفوذ والتموقع الجيوسياسي في مناطق حساسة، ومنها شمال إفريقيا، ويؤكد أن المغرب، بحكم موقعه الإستراتيجي وانخراطه في تحالفات إقليمية معادية للنفوذ الإيراني، قد يُدرج ضمن دائرة الاستهداف غير المباشر، سواء عبر تصعيد الدعاية المعادية أو دعم خصومه الإقليميين.

ويضيف بادو أن الرباط مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة تقوية جبهتها الدبلوماسية، وتوظيف هذه التوترات لصالحها، من خلال التأكيد على أن استقرارها الداخلي ووحدتها الترابية يشكلان عنصر توازن ضروري في محيط مضطرب.

ويتابع المتحدث ذاته، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن التحولات الجارية تفرض على المغرب توسيع قاعدة الدعم الدولي لقضيته الوطنية، ولاسيما في ظل مؤشرات إعادة تموقع بعض القوى الكبرى في المنطقة، ويرى أن استمرار الصراع الإيراني الإسرائيلي قد يُحدث نوعًا من الاستقطاب الجيوسياسي الجديد، يتيح للرباط فرصة توطيد تحالفاتها مع الدول المؤثرة في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي يُنتظر منها أن تعزز دعمها للموقف المغربي ليس فقط سياسيًا، بل أيضًا عبر التأثير في مواقف شركائها الأوروبيين.

ويشير الأستاذ الجامعي نفسه إلى أن طبيعة الجغرافيا السياسية الداخلية في المغرب تشهد انقسامًا بين تيار يركز على دعم الوحدة الترابية للمملكة، وآخر يتعاطف مع إيران باعتبارها جمهورية إسلامية تواجه إسرائيل، ويحذر من أن هذا الانقسام قد يُستغل من قبل أطراف خارجية لتأجيج التوترات الداخلية، ما يستدعي من الرباط الحذر في التعامل مع هذا الموضوع، مع الحفاظ على التماسك الداخلي وتوجيه الخطاب الوطني نحو تعزيز الوحدة الوطنية.

توازن حساس

يعتبر سامح العلي، الخبير المصري المتخصص في الدراسات الإفريقية والشرق أوسطية، أن الصراع بين إيران وإسرائيل يتجاوز حدوده الثنائية، ويتحول تدريجيًا إلى ورقة ضغط تستخدمها مختلف القوى الإقليمية لإعادة ترتيب الاصطفافات.

ويُبرز العلي أن المغرب، الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة بناء شبكة علاقات قوية، يجد نفسه في موقع إستراتيجي يجمع بين دعم مباشر من واشنطن ومواقف مستمرة في التطور على صعيد القارة الأوروبية .

وفي ظل التوتر الإيراني الإسرائيلي قد تسعى طهران إلى استثمار علاقتها بالجزائر وجبهة البوليساريو لتقويض هذا التوازن، عبر تحريك ملفات تراهن على تقليص هامش المناورة المغربي في الساحة الدولية. ويرى الخبير ذاته أن المغرب، مع إدراكه حساسية موقعه الجيوسياسي، قد يجد في التوتر الإيراني الإسرائيلي فرصة لإعادة تقييم علاقاته الإقليمية، بما في ذلك مع إيران؛ ففي ظل وجود شريحة من الرأي العام المغربي تتعاطف معها باعتبارها جمهورية إسلامية قد يكون من المفيد للرباط تبني مقاربة دبلوماسية مرنة تسعى إلى تحييد المواقف الإيرانية العدائية، أو على الأقل تقليص تأثيرها.

وأورد المتحدث ذاته أن هذا التوجه لا يتعارض مع التحالفات القائمة، بل يعزز من قدرة المغرب على المناورة وحماية مصالحه الوطنية في بيئة إقليمية متقلبة، ويُضيف في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية أن إيران، بحكم طبيعة إستراتيجيتها الخارجية، لا تعتمد المواجهة المباشرة، بل تُفضّل اللعب على خطوط التماس والنقاط الهشة، ما يجعل من قضية الصحراء ساحة محتملة لرهاناتها، خصوصًا عبر تعزيز تعاونها مع أطراف معادية للمغرب، ويُشير إلى أن دعم إيران لجبهة البوليساريو، سواء إعلاميًا أو عبر قنوات غير رسمية، قد يتخذ منحى أكثر حدة في ظل احتدام المواجهة مع إسرائيل، داعيًا الرباط إلى استغلال هذا الصراع لتعزيز الزخم الدبلوماسي الذي راكمته في السنوات الأخيرة.

ويؤكد العلي أنه في حال تعذّر على المغرب فتح قنوات تواصل مع إيران بسبب التزامه فإن الرباط مطالبة بتكثيف حضورها في المنتديات الدولية والإقليمية، ليس فقط للدفاع عن شرعية موقفها في قضية الصحراء، بل أيضًا لتسليط الضوء على التهديدات غير المباشرة الناجمة عن التمدد الإيراني في شمال إفريقيا، خاصة عبر دعم طهران لجبهة البوليساريو.

ويشدد الخبير ذاته على أن توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، حتى وإن تم عبر وكلاء إقليميين، قد يعيد ترتيب الأولويات الأمنية للدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، ما قد يصبّ في مصلحة المغرب إذا ما أدار هذا الوضع بذكاء إستراتيجي، وختم بالتأكيد على أن توظيف المغرب ورقة الاستقرار والتنمية، مقابل خطاب الفوضى والتقسيم الذي ترعاه أطراف معادية، هو ما سيصنع الفارق في المديين المتوسط والبعيد.